ألا رحم الله نفراً كنا نتوق أن يوثقوا عقد العلا، ويرفعوا دعائم العز، ويعمروا أفنية التنمية والرقي لهذا البلد الذي تركض فيه المصائب، وتتسابق إليه النكبات، ففي صبيحة العيد المجيد افتقدنا رجالاً يتخلّق بأفعالهم النجباء، ويأتمُّ بنهجهم النبلاء، قمم مناقبهم بالفضل مشهودة، وفضائلهم في الناس منشورة، وزراء وقياديين سمت إليهم همم المؤملين، وامتدت إليهم أعناق المتوسلين، ليوثقوا عُرى المجد، ويثبتوا وطائد الرفعة لهذا القطر الذي رضي بما قُدِّر له، وسكن إلى ما قُسم له، من هيئات تفاقم شرها، واستطار أذاها، فالهيئة التي شحب لونها، وضؤل محيّاها، أفنت بالإهمال الشنيع ثلة من خيرة أبناء هذا الوطن، وهي لعمري جديرة بالتقريع، قمينة بالتوبيخ، ومديرها الهمام محمد عبدالعزيز حري بأهل السيادة، وأولي الفضل، أن يتكرموا بقبول استقالته التي تقدّم بها، عسى ولعل أن يقيِّض الله له خليفةً ينتشلها من حمأة الهوان الذي تقبع فيه. لم نكن نروم من مدير هيئة الطيران أن يعوق نوائب الدهر، أو يمنع صوارف الأقدار، بل كنا نود منه أن يتحف هذا المرفق الحيوي المهم بالرعاية الدائمة، والكلاءة السابغة، حتى تنشأ آصرة وكيدة، وأخُيّة مستحكمة، بينها وبين المواطن الذي بات يستشعر الخوف كلما قاده حظه العاثر لامتطاء ناقله الوطني الذي أوحش بعد أنس، وصوّح بعد بهجة، فالطيران السوداني بشقيه أضحى غاية في الغثاثة والهزال، ولا يضاهيه طيران في ضراعة الجانب، ووضاعة الشأن، فالبراهين الساطعة، والدلائل الناطقة، والشواهد الصادقة، تؤكد حقيقة مفادها أن هيئة الطيران التي استحصفت علاقتها بالتردي والقصور، ليس هناك من يتعقب سقطاتها، أو يترقب فرطاتها، رغم فتكها بعرانين نبا عصب الصبر لفراقهم، إن طائرة تلودي أفصحت عن مضمون هذه الهيئة التي يجب أن تبقى مصونة من شظايا الخلل، وأظهرت مكنون القصور الذي يستحق سعياً دائباً، وجهداً متصلاً، لمعالجة بعض ما يكتنف هذه المؤسسة العريقة التي ملكت الألباب، واستحوذت على الإعجاب، ردحاً من الزمان، هيئة الطيران المدني الآن أيُّها السادة يقرُّ حتى من التبس عليه الحق، واشتبه عليه الصواب، بأنها تعاني من نمطية متفشية أضفت عليها نقيصة التخلُّف، فالهيئة التي نابتها خطوب الزمن، وخرمتها بوائق الدهر، ترفض في إباء وشمم، ما يرقأ وكف العين، ويسكّن لوعة الفراق، ولن يرسخ لها أصل، أو يسمق لها فرع، طالما أنّ المعنيين بأمرها يستخفون بوعيد منظمة الإيكاو. أسأل الله عز وجل أن يتقبل الشهداء قبولاً حسناً، وأن يسكنهم فسيح جنانه، وأن يعافي الهيئة من سطوة الأمراض، وتتابع الآلام.