كلمة «غواصة» مصطلح يتم تداوله بصورة مكثفة في أوساط الطلاب الناشطين سياسيًا في الجامعات السودانية ويشير في جوهره إلى عملية اختراق تتم عن طريق زراعة أحد الكوادر الطلابية الحزبية داخل الكيانات الأخرى بهدف الاطلاع على خطط وسيناريوهات الحزب الآخر المعدة وتلك التي ينوي تنفيذها بغرض إحداث عمل مضاد لخططهم وبالتالي إفشالها وهو عمل استخباري من الدرجة الأولى. لم يكن هذا النوع منتشراً بصورة مكثفة أو معلنًا عنه وسط الأحزاب السودانية أو فيما بينها لكثير من الأسباب من بينها طبيعة السودانيين التي لا تقبل ولا تستسيغ التجسس وسبر غور الآخر بشكل غير مشروع وهي ناتجة من تربية دينية نشأ عليها معظم السودانيين خاصة أن تركيبة وطبيعة معظم الأحزاب السودانية تميل نحو العقائدية أو الطائفية الدينية ذات المرجعية الإسلامية. ولكن في الآونة الاخيرة ظلت المعارضة تتهم الأجهزة الأمنية من وقت لآخر باختراقها خاصة عندما ضربت صفوف الأحزاب الانقسامات والتصدعات فكان المتهم الأول هو الأجهزة الأمنية ولم يسلم حزب المؤتمر الوطني من الاتهام بشق صفوف الأحزاب المعارضة عن طريق استمالة بعض كوادرها وإغرائهم بالمال في ظل جلوسه على سدة الحكم لفترة طويلة. وقد حملت الفترات الماضية اتهامات متعددة لعدد من الشخصيات أُشير إلى أنها مزروعة داخل أحزابها حيث اتهم رئيس منبر السلام العادل الطيب مصطفى في حوار مع الزميلة الرأي العام الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر بأن يكون «مؤتمر وطني» مدسوسًا لتحطيم الشعبي، وقد جاء الاتهام على خلفية تصريحات لعمر وُصفت بأنها لا تشبه حزب المؤتمر الشعبي ذي التوجهات الإسلامية بجانب سعيه الدائم للتحالف مع الحزب الشيوعي وبالمقابل اتهم كمال عمر نفسه الاتحادي الديمقراطي الأصل بدخول الحكومة والمشاركة فيها من أجل تفكيكها من الداخل عندما أشار للزميلة «آخر لحظة» للدور الذي يلعبه الاتحادي الأصل داخل القصر الجمهوري، وقال إن الأصل يسعى إلى إسقاط النظام من الداخل وشبه مشاركته بالنسبة للحكومة «بالمكياج»، وبالنسبة للمعارضة لديه غرضه الذي يؤديه. وكذلك اتهم بعض الاتحاديين القيادي بالحزب التوم هجو بأنه شيوعي وحركة شعبية مزروع داخل الحزب حدث ذلك عندما فاجأ التوم هجو جماهير الحركة الاتحادية على مختلف تياراتها ومواقعها السياسية بتوقيعه الانضمام باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي «الأصل» مع الجبهة الثورية وهي حركة مسلحة تتكون من عدد من الحركات الدارفورية إضافة إلى الحركة الشعبية قطاع الشمال بينما الاتحادي حزب سياسي يلتزم بقانون الأحزاب للعام 2007م الذي يلزم الأحزاب ويمنعها من الاحتفاظ بمليشيات مسلحة وبجانب ذلك فإنه من المعروف تاريخيًا أن جماهير الحركة الاتحادية تمثل الطبقة الوسطى في المجتمع، وقد ناضلت من أجل الديمقراطية والحرية من خلال العمل السلمي بعيداً عن الأعمال العسكرية وإن هجو حسب رؤية بعض الاتحاديين لا يمثل قطاعًا جماهيريًا داخل الحزب بقدر ما يمثل موقفًا سياسيًا راهن من خلاله على قطاع واسع من جماهير الحزب الرافضة للمشاركة في الحكومة العريضة على أن تؤيد موقفه وأن يضع في ذات الوقت السيد محمد عثمان الميرغني المشارك في الحكومة في موقف حرج مع حلفائه الجدد. وكان الأمين العام السابق لحزب الأمة الفريق صديق محمد إسماعيل قد أمطره كثيرون من حزبه بحزمة اتهامات من قِبل بعض جماهير حزب الأمة القومي الرافضة لتعيينه في المنصب ووُصف بأنه ضابط أمن عمل في نظامي مايو والإنقاذ ولا يحق له أن يتبوأ منصبًا كهذا في حزب الأمة القومي، ومن جانبه اتهم صديق عددًا من شباب حزب الأمة قدموا مذكرة إصلاحية داخل الحزب إبان اشتداد موجة المذكرات داخل الأحزاب بأنهم «حفنة من الشباب والشيوعيين والشعبيين المندسين». ويؤكد المحلل السياسي أحمد الأمين أنه ما من حزب محصَّن ضد الاختراق حتى الأحزاب الكبيرة لجهة سهولة المسألة خاصة في الحالة السودانية التي أشار محدثي إلى تعامل الناس ببساطة وحسن النية في حالة تخلو من الارتياب مؤكدًا أن مسألة الاتهامات المتكررة بين الأحزاب بشأن الاختراق مردها إلى عدم وضوح الرؤية في المشهد السياسي. حزب تجمع الوسط وهو أحد الفصائل الاتحادية المكوَّنة حديثًا باتحاد عدد من الفصائل والقيادات الاتحادية تنبَّه مبكرًا حسب حديث رئيسه لمسألة اختراق الأحزاب، وأشار للزميلة الرأي العام أنهم أنشأوا لائحة داخلية ضد الاختراق وهو ما يدل على وجود هذه الظاهرة وسط الأحزاب بدليل محاولة الحزب للتحصُّن منها ولكن هل ينجح في ذلك؟؟