قال الصادق المهدي إن سياسات النظام الحالية تسوق السودان نحو التمزيق والتدويل وإن سعي القوى الثورية التي تنطلق من جوبا لتغيير النظام بالقوة يؤدي لنفس النتيجة وهي «التمزق والتدويل». أي أنه يؤيد إسقاط حكومة الخرطوم بطريقة غير مباشرة، وقد قال أيضاً إنه يتفهم مشروعية المظاهرات الشبابية المنادية بإسقاط النظام. لكنه في نفس الوقت يعارض العمل الثوري الهادف لإسقاط حكومة الحركة الشعبية «لتحرير السودان» في جوبا. ويقول إن إسقاطها يسوق التمزق والتدويل، وها هي دولة الجنوب الآن غارقة إلى أذنيها في بحر تمزيق النسيج الاجتماعي وبحر التدويل، وما الحركة الشعبية في جوبا إلا وكيلة لمصالح أمريكا وإسرائيل في الدولة الوليدة التي يعيش فيها شعبها بحالة أسوأ مما عاشها أبناؤها في أيام الحرب وهم لاجئون في دول الجوار ونازحون في شمال السودان قبل انفصال جنوبه. وإذا كان نظام جوبا أسوأ من نظام القذافي إذا أخذنا بالاعتبار فترة الحركة الشعبية القصيرة في الحكم أو السيطرة على الجنوب وهي سبعة أعوام فهذا يعني أن موقف الصادق المهدي من ثوار ليبيا هو نفسه من ثوار جنوب السودان، وهذه مصيبة سياسية كبيرة تدل على أن بعض الزعماء السودانيين يتحركون من زاوية مصالحهم السياسية ولو كانت على حساب أرواح ودماء وكرامة المواطن البسيط المغلوب على أمره. إذن هي مصالح دكتاتوريين وطغاة وليس زعماء ديمقراطيين يستحقون الهتاف من الجماهير والثواب من الله. يمكن أن يؤيد الصادق إسقاط النظام إذا ساق المبررات لذلك لكن هل يمكن أن يؤيد استمرار حكم دكتاتوري طاغ مستبد يتسبب في القتل والاغتصاب ضد المواطنين؟! هل الغرض السياسي جعل موقف الصادق عدواً لطموحات ثوار الجنوب وحلمهم بالديمقراطية؟! «الخبر» ليس هذا ليس الخبر هو أن تتحدّث الأممالمتحدة عن مجازر وعدوان ضد الإنسانية في دولة جنوب السودان يقع في جونقلي أو غيرها لأن الأخبار حول مثل هذه التجاوزات منتشرة هنا وهناك، وإنما الخبر هو أن تتحدّث وسائط الإعلام عن حالات أمن واستقرار في بعض مناطق دولة الجنوب.. أما الأممالمتحدة فعليها أن تقف على مصدر تلك التجاوزات هناك وتتأكد من سياسة «الانتقاء» التي تمارسها حكومة جوبا في برنامج نزع السلاح من بعض المجموعات القبلية وهو الأمر الذي من شأنه أن يزيد من الأزمة الأمنية في ظل ضعف القدرة على الحفاظ على الأمن والاستقرار من جانب الدولة. والصراعات المسلحة في جنوب السودان لو كانت بين مجموعات قبلية لا علاقة لبعضها بالقوات الحكومية «الجيش الشعبي»، يمكن أن تتحدّث الأممالمتحدة في هذه الحالة عن تجاوزات في بعض مناطق دولة الجنوب وتناشد الحكومة احتواء الموقف المزري، لكن المؤسف هو أن الدولة الجديدة نفسها هي طرف في هذه الصراعات القبلية والطرف الأقوى، وقد تحدّث تقرير الأممالمتحدة عن أن القوات الحكومية هناك تحاول حسم الصراع عن طريق القتل العشوائي وارتكاب جرائم الاغتصاب ضد النساء، وبالطبع هذا يبقى صباً للزيت على نار يُراد إطفاؤها، إذن ليس الناس في حاجة إلى أن ترشح لهم تطورات الساحة «الجنوبية» في الأخبار، يريدون فقط أن يكون الخبر هو أن الأممالمتحدة بالقوة الأمريكية التي يستعان بها في تغيير الأنظمة المناهضة لسياساتها أنها بسطت الأمن والاستقرار في مناطق النزاعات المسلحة بالجنوب بحكمتها وحنكتها وذكائها. فهل يا ترى يمكن أن تكون هذه الأماني ضمن أخبار تشير إلى تحقيقها؟!