اربطوا الأحزمة يا مغتربين «1» ومع كل إجازة صيف نقف على رصيف الانتظار لنستقي الأخبار من مصادرها عبر القادمين من السودان لعلهم يكذبون تلك الأخبار التي تأتينا عبر الفضائيات أو من أصدقائنا في السودان والذين استطاعوا أن يتعايشوا مع كل المتغيرات المعيشية والبيئية والصحية فصارت لا تمثل لهم هماً كبيراً بسبب الاعتيادية القاتلة التي ما إن أصابت شيئًا حتى أثلجته، فالمصائب في السودان كثيرة ولكنها صارت مثل الابن الذي يتربى تحت أعين والديه دون ان يراه يكبر مع مرور السنين إلا أن ينبهك احدهم بقوله «ما شاء الله العيال كبروا» هكذا مصائب السودان لا يشعر بها أهلها كثيراً إلا عندما يأتي احدهم ويفاجأ بالوضع ويصرخ فيهم «لا حول الله انتو عايشين كيف؟». قال لي من أثق في حديثه وهو قادم من الخرطوم بعد أن قضى أسبوعاً واحدًا فقط هناك أن ما قابله وشاهده في تلك الأيام جعله يعتقد جازماً بان السودان لن ينصلح حاله أبداً بسبب العقلية التي تدير شؤونه وطبيعة العقلية السودانية الحديثة التي أصبحت تقارع الواقع بخطى أسرع من الواقع نفسه فتسبقه وتسيطر عليه بسبب الجشع الشديد الذي أصاب النفوس وقد حكى لي واقعة كدت أن لا أصدقها لولا ثقتي في صديقي هذا وهي قصة تمثل واقعًا غريبًا وتؤكد غياب الدور الحكومي وغياب المراقبة في أهم ما يتعلق بالإنسان وهي صحته ويؤكد أن «كل زول في البلد شغال على كيفو». قال لي صديقي إن والدته أُصيبت بحروق فذهب إلى احدى الصيدليات في الحاج يوسف لأخذ مرهم «فد أب» لعلاج والدته فقال له الشخص الموجود في الصيدلية إن قيمته «70» جنيهًا وبما أن صديقي يعلم أن سعر هذا الدواء عندما ترك السودان لا يتعدى الخمسة آلاف جنيه اعتقد أن هذا الشخص يقصد 70 جنيهًا فأعطاه 50 جنيهًا ليرجع له الباقي فقال له الصيدلي «وحقيقة لا اعلم هل هو صيدلي أم لا» إن المبلغ المطلوب «70» جنيه ولما كان صاحبي مضطرًا لظروف والدته اخذ الدواء وخرج وكانت هناك صيدلية أخرى بجواره فنصحه من كان معه في العربة أن يذهب إليها ليستفسر من سعر هذا الدواء ليرى كيف يسير هذا البلد فلما ذهب فوجئ بان سعر الدواء 55 جنيهًا فتركه وذهب إلى صيدلية أخرى وان كان لم يجد فيها المرهم إلا أن الصيدلانية الموجودة قالت له سعره لا يتعدى 34 جنيهًا ونصحته أن يأخذ مرهمًا آخر إن لم يجد هذا المرهم لان مفعوله واحد فتركها وذهب إلى صيدلية أخرى وفوجئ بان سعر المرهم هناك 26 جنيهًا فطلب المرهم الذي أوصت به الصيدلانية فوجد سعره 5 جنيهات فقط!!.