لو كنتُ مكان قيادة المؤتمر الوطني لترفَّقتُ بالسيد الصادق المهدي وكففتُ عن إطلاق التصريحات الغريبة وغير المحسوبة التي تخرج من حين لآخر لأسباب واهية تُضعف من تماسك الجبهة الداخلية وتزيد التوتر بين الأقربين. أقول ذلك على خلفية الهجوم الذي شنّه د. الحاج آدم نائب الرئيس ورئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني على حزب الأمة القومي احتجاجاً على الاتفاق المبرم بين مريم الصادق المهدي ومني أركو مناوي. لستُ أدري والله هل يجهل قادة المؤتمر الوطني حالة السيولة التي تعاني منها معظم الأحزاب السياسية بما فيها حزبهم الذي تحكمه قرارات فوقية لا تحظى بقبول أو مشاركة الغالبية العظمى من عضويته المغيَّبة عن القرارات الكبرى سواء كانت اقتصادية أو سياسية خاصة بملف التفاوض الذي تتحكم فيه مجموعة قليلة تُعدُّ على أصابع اليد بالرغم من أنه يهدِّد حاضر البلاد ومستقبلها أو حزب الأمة الذي تمزق أيدي سبأ بين عدد من الفصائل التي يشارك بعضها في الحكومة وآخر في المعارضة بل هل يجهل أن حزب الأمة القومي نفسه ينقسم إلى تيارات متصارعة حتى داخل البيت المهدي؟! أهم من ذلك لماذا يتجاهل المؤتمر الوطني مشاركة السيد الصادق بابنه الأكبر عبد الرحمن على مستوى القصر الجمهوري ويركز على مريم التي ظلت مع أخواتها تقود التيار العلماني القريب من قوى الإجماع الوطني بل والقريب من عرمان سيما إذا استرجعنا العلاقة السياسية الحميمة التي كانت وربما لا تزال تربط بين مريم وعرمان؟! اقرأوا التصريحات والمواقف التي خرجت إلى السطح مؤخراً داخل حزب الأمة القومي وأبدأ بموقف مبارك الفاضل الذي قال عنه السيد الصادق المهدي إنه (يقود انشقاقاً داخل الحزب لصالح دولة أجنبية) ومعلوم أنه يقصد دولة جنوب السودان بما يعني أن الصادق يؤكد ما كان معلوماً من قديم عن عمالة مبارك الفاضل لدولة الجنوب، بل إن علاقة مبارك الفاضل بقرنق موثقة في محاضرة قرنق التي قدَّمها في ڤيرجينيا صيف عام «2002م» فمبارك الذي يعيش حياة بهيمية لا تحدُّها حدود بما يعني أن كل شيء عنده جائز ومُباح قضى على مستقبله السياسي في السودان ونحتاج إلى من يوثق سيرته كنموذج فريد في المشهد السياسي السوداني منذ أن ولج عالم السياسة. آسف للاستطراد الذي قصدتُ منه أن أوضح جزءاً من حالة السيولة التي يعاني منها حزب الأمة فمبارك بالرغم من كل ما فعل وبالرغم من حديث الصادق المهدي الأخير لا يزال عضواً في حزب الأمة القومي!! تخيلوا!! إذا كان مبارك لا يشغل أي موقع تنظيمي في الحزب إيه رأيكم في نصر الدين الهادي الذي يحتل منصب نائب رئيس الحزب وبالرغم من ذلك فإنه يشغل موقعاً تنظيمياً في قيادة الجبهة الثورية التي تشنُّ الحرب على الدولة من جنوب كردفان ودارفور بل ومن جوبا عاصمة دولة جنوب السودان!! أيهما أخطر وأيهما كان يستحقُّ غضبة الحاج آدم المضرية: اتفاق مريم مع مناوي، أم انتظام نصر الدين الهادي في قيادة الجبهة الثورية منذ إنشائها وهي التي تشنُّ الحرب على الدولة وتقتل وتسلب وتدمِّر وتتآمر؟! الصادق المهدي، بعد هجومه على مبارك جرّاء عمالته لدولة الجنوب، طلب الآن وبعد عدة أشهر من نائبه نصر الدين الهادي أن (يقطع صلته التنظيمية بالجبهة الثورية لأن مؤسسات الحزب لم تطلب منه الارتباط التنظيمي بالجبهة)!! يا سبحان الله!! إذن فإن مبارك لا يزال عضواً في الحزب حتى بعد أن (فعل السبعة وذمتها) ونصر الدين لا يزال نائباً لرئيس الحزب ولم يُحدَّد له توقيت لكي يقطع صلته التنظيمية بالجبهة الثورية المتمرِّدة أو يُهدَّد بأنه سيُطرد من الحزب إذا لم يستجب لأمر رئيس الحزب!! أزيدكم كيل بعير، نائب الرئيس والقيادي العريق بتاريخه الحافل في حزب الأمة آدم موسى مادبو يقود انشقاقاً داخل الحزب ولكنه لا يزال يحتفظ بموقعه أما د. إبراهيم الأمين فقد انتُخب أميناً عاماً بعد احتجاجات عاصفة لكنه لم يتمكَّن حتى الآن من اختيار أمانته العامة التي رفضها المكتب السياسي للحزب!! صدقوني أن كل هذه الحالة الفوضوية في حزب الأمة القومي (الأصل) بعد أن خرج منه عددٌ من أحزاب الأمة (لا أدري عددها تحديداً) لا تُقارَن بحالة السيولة القاتلة التي تضرب حزب الميرغني الذي لم يعقد مؤتمراً عاماً، رغم أنف مجلس شؤون الأحزاب السياسية، منذ أن أنشئ باسم الوطني الاتحادي قبل الاستقلال ومنذ أن انشق ثم انشق ثم انشق!! بربِّكم كيف يصير حال الحزبين الكبيرين إذا غيَّب الموت زعيميهما التاريخيين اللذين أسأل الله لهما طول العمر. هذا هو حال الأحزاب التاريخية الكبرى في وطننا... هذا هو حال المواعين التي تستقطب ولاء الشعب السوداني لإدارة الشأن السياسي في السودان... بِّربكم هل من حق الحاج آدم أو غيره أن يغضب من حزب الأمة القومي وهل نتوقع للسودان أن يتعافى أم أن الفراغ سيملأه المتمردون حَمَلَة السلاح؟! بربِّكم من المسؤول عن حال أحزابنا السياسية سواء القديمة أو الجديدة؟! أليس هو المؤتمر الوطني الذي تعامل بالأسلوب أو بالشعار الاستعماري القديم (فرِّق تسد) حيث أضعف ومزَّق تلك الأحزاب بقصد أو بلا قصد جرّاء كبت الممارسة الديمقراطية مما أدى إلى نشوء الأحزاب والتنظيمات الجهوية والقبلية المتمردة وأرجع السودان مئات السنين إلى الوراء؟! ما هو دور المؤتمر الوطني في تصحيح الخطأ من منظور أن المصلحة الوطنية العليا تقتضي قيام أحزاب قومية قوية؟! وكيف تنشأ أحزاب قوية في ظل احتكار المؤتمر الوطني للسلطة وأهم من ذلك للثروة؟! ما هو دور شؤون الأحزاب؟! لا أظن أن الأحزاب السياسية تجهل الطريقة التي تدير بها أمرها بما في ذلك لوائح الانضباط التنظيمي لكن ما يُقعدها هو المال وهل يستطيع حزب سياسي أن يخوض انتخابات بدون أن يتوفر له مال يجوب به البلاد وينشئ أو يستأجر دُوراً مؤثثة ويقيم هياكل تنظيمية ويمتلك وسائل نقل؟! ما هو رأي الدكتور نافع في هذا القول؟!