«بجا حديد .. بجا حديد..» كان ذلك هو الهتاف الذي ملأ أركان قاعة الصداقة بالأمس، وهي تحتضن المؤتمر العام الثالث لمؤتمر البجا، الذي خطف رئيس المؤتمر الوطني الرئيس البشير منه الأضواء عندما شرف جلسته الافتتاحية، وللمفارقة، فإن رئيس الوزراء الأسبق الراحل عبد الله خليل كان ضيف شرف المؤتمر الأول للبجاويين، الذي انعقد في العام 1958م، ما يعني عراقة ذلك الحزب الذي اصطادته شِباك الحكومة بعد أن رفع في وجهها السلاح في العام 1994م، وتوصلت معه لاتفاق ضمن منظومة (جبهة الشرق) في أكتوبر 2006 م، تحت رعاية أريترية، فكان ذلك مرد مشاركة (الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة) - الحزب الحاكم في أريتريا - في المؤتمر العام للبجا الذي يجيء في توقيت، الحكومة مجابهة فيه بتحدي تنمية شرق السودان، وهو الطريق الذي مضت فيه منذ توقيع اتفاقية أسمرا، حيث نص التواثق الذي تمّ على إنشاء صندوق تنمية وتطوير شرق السودان، الأمر الذي استصحبه الرئيس البشير في كلمته وهو يؤكد أنه حرص على الحضور رغم المشغوليات، إكراماً لأهل الشرق، وإكراماً لمؤتمر البجا. وأشار البشير إلى إعمال الحكومة مبدأ التمييز الإيجابي والتنمية المتوازنة للشرق. وألقى رئيس حزب مؤتمر البجا موسى محمد أحمد، الذي لم يتفاعل مع الحماسة التي طغت على أنصار حزبه، وتفاعل بعض الشئ مع الأغنيات التي رددها مطربان بلهجات الشرق. ألقى كلمة مكتوبه طوَّف من خلالها على كل تفاصيل المشهد السياسي، وتناولها بشيء من التحليل، ومدى مساهمة حزبه فيها، خاصة وأن كل ألوان الطيف السياسي كانت حضوراً، بدءاً بقيادات الوطني الرئيس البشير ونائبه نافع علي نافع، والاتحاديين يتقدمهم نجل الميرغني - عبد الله - ورئيسي حزب الأمة القومي الصادق المهدي، والأمة الوطني عبد الله مسار، ورئيس حزب منبر السلام العادل الطيب مصطفى، وحركات دارفور الموقعة على السلام بقيادة الوزير مصطفى تيراب وآخرين، بجانب بعض أعضاء السلك الدبلوماسي، والوزراء من أبناء الشرق: وزير الداخلية إبراهيم محمود، ووزير الدولة بابكر دقنة، ووزير السياحة محمد الهد. إن مؤتمر البجا مجابه بحزمة تحديات، وقد أشار رئيسه لعدد منها، أولها الهم التنموي، إذ أن الحزب خاصة كون رئيسه موسي محمد مساعداً للرئيس مطالب أن يساعد في تحريك عجلة التنمية الشرقية، وقد ظل متهماً بالتقصير في ذلك الشأن، ما دفع بعض عضوية الحزب للانفضاض منه، فضلاً عن عدم رضا الكثيرين لتجربة المشاركة في الحكومة، بيد أن التحدي الحقيقي يتمثل في إتهام الحزب بإغفال قضايا مهمة مثل حلايب والفشقة رغم أن رئيس الحزب شدّد أمس في خطابه على أهمية الحفاظ على تراب الوطن، كما أن الحزب وفي مؤتمر صحفي عقده أمس الأول، أكد التمسك بالمنطقتين سياسياً وميدانياً، ولعل ذلك التمسك يدخله في حرج مع الحكومة التي لديها رؤيتها في التعامل مع قضية حلايب والفشقة. موسى في خطابه تناول رزمة من المسائل مثل المطالبة بدستور دائم، يسهم في بناء القومية السودانية، كما قال، رغم إن الحزب لم يوضح موقفه بشكل صريح من ذلك الدستور، ودعا لمساندة حقوق المرأة والطفل في الوقت الذي لم تحظ المرأة في حزبه بمكانة مقدرة، وقد سببت لهم رئيس حزب(الشرق السوداني) آمنة ضرار، حرجاً بالغاً بعد أن شقت طريقها وآخرون بعيداً عنهم، وقد كان بإمكان مؤتمر البجا أن يستصحبهم معه، سيما وأنهم جزء أصيل من إتفاق سلام الشرق، علاوة على أن الحزب متهم بالتخندق في قومية بعينها، في ظل الانفتاح الذي تشهده كثير من القوى السياسية. هذا الموقف يبدو عصياً إستيعابه حال النظر للشعار الذي رفعه الحزب في مؤتمره هذا، الذي حمل عنوان .. « معاً لبناء سودان ديمقراطي يسع الجميع».