قال اللواء راندال قائد ثاني قوات جيش كتشنر في مذكراته: (من الصعب أن نجد في تاريخ الإمبراطورية العسكري كله يوماً كذلك اليوم الفريد المجيد، وأبطالاً كأولئك الأبطال الأشاوس الباهرين الذين نالوا شرف التضحية على نحو متميِّز وفريد). هنا أقول والفضل ما شهد به الأعداء الوقت: «6» صباحاً المكان: سهل كرري شمال مدينة أم درمان موقع قواتنا: خلف جبل سركاب قوات العدو: في قرية العجيجة متخذة مواقعها الدفاعية الثابتة بعد أن حددت أقواس نيرانها على طول المواجهات. العملية: عبارة عن هجوم نهاري مدبر تشنه قواتنا على مواقع العدو الدفاعية لاختراق دفاعاته وضرب خطوط إمداداته الخلفية. معركة كرري: جعلت اليوم الثاني من سبتمبر من كل عام يوماً فريداً في تاريخ الآلام والبطولات في تاريخ التضحية والمجد في تاريخ المأساة والعظمة وفي تاريخ الحق الذي شهد في ذلك اليوم رغم تدمير أبطاله الذين خاضوا معركة اتسمت بالتعادل القوي اللا متكافئ في التسليح وفي العلم العسكري البون شاسع بين الهزيمة والتدمير. فمعركة كرري عبارة عن معركة هجومية من مرحلتين كل مرحلة تتكون من محوري اقتحام لذا قال ونستون تشرشل في مذكراته: (لم نهزمهم بل دمرناهم) إذن كرري هي المأساة والعظمة عظمة صمود أبناء السودان من شمال وجنوب من شرق إلى وسط وغرب.. بالرغم من أن عاقبة المعركة كانت واضحة ومقروءة إلا أن روعة النصر فيها ليس للسلاح الفتاك بل في القدرة والثبات بروعته وفي إضاءة ضمير الحياة بجلال التضحية، فالبعض منا يرى أن معركة كرري مأساة وفاجعة لا أكثر ويتخذها مناسبة لاجترار الحزن والألم حيث السفلة أعداء الدين من إنجليز وأتراك.. يفتكون بأبناء (عزة) الذين يقاتلون صفاً كالبنيان المرصوص فجيش المجاهدين في المهدية هو الجيش السوداني فعندما نقول: (إن قواتنا المسلحة الباسلة هي الدرع الذي لا يقهر) إنما نقصد في الماضي والحاضر والمستقبل إن شاء الله كذلك نجسد منها روعة البطولات للجندي السوداني وعزة الإيمان وجلال التضحية في مهرجان الحق والبطولات فبعد أن سقط الشهداء في ساحات الفداء لا نقول قد انتهى كل شيء ليبدأ كل شيء بل نقول إن يوم كرري الرهيب بأمجاده بدأ من جديد وفي كل عام بدروسه وبحصاده وعلينا أن نتبع مواطن العظة والعبرة في ذلك الحصاد. كرري رأى فيها الوطن الغالي بكل قيمة غالية وأمجاد عالية حيث تعرض جيشه وجنوده البواسل إلى محنة قاسية فرضت عليه؛ لأنه (فقط) رسخ مبادئ شرع الله بالإيمان المطلق الذي حمل لواءه وذهب شهداؤه حيث كان لهذا كله وبهذا كله، إيماناً مستنيراً ووعياً رشيداً مدرساً عظيماً عكس جلاله وسلوكه على الزمان والمكان بعد ذلك قال ونستون تشرشل في مذكراته بعد نهاية المعركة: (عندما سقط العدو لم تكن هنالك مراسم للدفن أو الموسيقا ولا الاحتفالات التي تمجد عظمة الرجولة الصامدة ولكنهم كانوا أشجع مَن مشى على الأرض دمروا ولم يقهروا بقوة الآلة) فمطلوب من ضباط وضباط صف وجنود قواتنا المسلحة وعلى رأسهم القائد العام للقوات المسلحة أن يؤدوا في كل عام الصلاة والترحم على أرواح شهدائنا في سهل كرري الموقع الذي حدثت فيه المعركة إحياءً لذكرى شهدائنا أبناء (عزة) البتول. وتعظيم سلام لك يا جيش الماضي والحاضر والمستقبل.