يوم مولدها كان عيدًا.. ارتسم الفرح على وجوه كل الحاضرين، كلمتا «مبروك» و«حمدًا لله على السلامة» تخرجان من كل الأفواه، وداخل الغرفة وجه «شاحب» من الألم وعرق يتصبَّب، تنفست الأم الصعداء بعد أن تخلصت من «المشيمة» وأخبرتها القابلة بقدوم مولودتها الأنثى.. فيا للفرح وأنت تأتين بعد أربعة من الذكور.. الأب غمرته السعادة وهو يردد جاءت «وفاء» وإخوتها مسرورين فقد طال انتظارهم، فاليوم عيد وكل الحاضرين مكرومون بسخاء وزعت الحلوى والنقود لحاملي البشرى السارة، حمل الأب ابنته بين ذراعيه بحنان وردد الأذان على أذنيها وهو يقول في نفسه كوني بارة ومصونة وخير موءودة.آصبحت وفاء محط اهتمام الجميع تملأ المنزل سعادة وحيوية طوال اليوم، واستمر الحال هكذا حتى بلغت عقدها الخامس، وذات يوم جلس والدا وفاء يتسامران ويتجاذبان أطراف الحديث، وتطرقت أم وفاء لحديث كثيرًا ماكانت تناقش فيه زوجها وكان دائمًا يقابله بالرفض ولكن هذه المرة أصرت على أن تتم عمليه «الختان» بأسرع ما يمكن وبعد جدل استمر لعده ساعات وافق والد وفاء علي مضض. فقلبه الكبير لا يحتمل أن تتألم ابنته ولكن ماذا سيفعل مع إصرار زوجته.. أخبرت الأم ابنتها بعمليه الختان فرحت وفاء فرحًا شديدًا وهي تسأل والدتها ببراءة هل ستضعين لي الحناء؟ هل ستعطونني الكثير من النقود؟ فبشرتها والدتها بأن كل مطالبها مجابة وأسرعت الأم في الترتيب وكأنها تخاف أن يرجع «بعلها عن كلامه» وجاء اليوم الموعود وكانت وفاء في أبهى الصور وهي ترتدي فستانها ذا اللون الأحمر والذي تم شراؤه خصيصًا لهذه المناسبة وأناملها الصغيرة مخضبة بالحناء والبراءة تكسو ملامحها وهي تتحدث الى صويحباتها من بنات الجيران وتعدهن بأنهن سينلن نصيبًا من النقود التي ستجنيها، يا لهذه الروعة! ويالهذه الطفولة التي تؤثر على نفسها لتكسب حب الآخرين.. وتجمع نساء الحي وأمرت القابلة بإحضار وفاء وسيقت كما تساق الشاة للذبح وما إن رأت وفاء التحضيرات المعدات حتى تحولت فرحتها إلى خوف شديد وترقرقت عيناها بالدموع، وعندما تم رفعها على المنضده أحست بأن القادم أكبر من احتمالها فارتجفت أوصالها وبدأت بالصراخ وهي ترى القابلة تجهز لتحقنها، ولكن لا مفر اليوم من تلك الأيادي التي تحكم قبضتها على جسدها الصغير، وبدأت المجزرة فكل القلوب تحجرت، استغاثت وفاء بوالدتها ثم بوالدها ثم بإخوتها ولكن لا مجيب اندهشت وفاء!! فوالداها يهرعان عندما يسمعان منها صرخة واحدة فكثيرًا ماكانت تدرك نقطة ضعفهم وتستخدمها عندما تريد من إخوتها شيئًا فما بالهما اليوم لا يجيبان وكان الألم فوق احتمالها. فقررت أن تنهي ما تشعر به وحدها «فتلك القابله التي استقبلتني قبل أربع سنوات حينما جئت الى الدنيا لابد أن قواها ضعفت قليلاً فلا يمكن أن تهزمني بهذه السهولة «عبارة أكبر من سنها ولكن رددتها وفاء بداخلها وترجمتها بفعلتها وهي تفاجيء جميع النسوة بانتفاضتها فارتجفت يد القابلة وانحرفت عن مسارها لتقطع شريانًا جعل الدم ينزف بغزارة... ضجّ المكان، تعالت الأصوات صراخًا، شعر الأب أن مكروهًا اصاب قرة عينه هرول مسرعًا اقتحم الغرفة صدمه المنظر خطف ابنته بين أحضانه ذلك الجلباب الأبيض صار لونه أحمر، أسرع الى المستشفى دون أن يلتفت الى عربة تقله حتى دخل المستشفى اعلنت حالة الطوارئ، حضر كل الأطباء الى داخل الغرفة ووفاء مستلقية على ظهرها لا تحرك ساكنًا وحاولوا إيقاف النزيف بقدر الإمكان والكل خارج الغرفة يمشي جيئة وذهابًا لا شيء غير الندم بعد فوات الأوان. خرج الطبيب من غرفة الطوارئ وفي عينيه نظره عتاب الى والديها وهزّ رأسه مستنكرًا ثم ابتعد دون أن ينطق ببنت شفة، فاندفع والداها ينظران من خلف الزجاج بترقب لكل مايدور داخل الغرفة ويتضرعان للمولى عز وجل أن تسترد ابنتهم عافيتها.. وظلت وفاء يومين كاملين لم يذق والداها خلالهما طعم النوم ولا الراحة، وفي اليوم الثالث فجأة صدر إنذار من غرفة وفاء وهرول الجميع وخفق قلبا والدها ووالدتها بشدة، حاولت وفاء جاهدة فتح عينيها وكأنها تريد أن تهدئ من روعهما وتقول: «أنا بخير» ولكن هيهات فقد كانت إرادة الله فوق كل شيء، وصمت كل الكون بسكون وفاء فغاب ذاك الحلم الجميل وضاعت الآمال سرابًا. فسحقًا لمن قتل البراءة وسحقًا لعادات أبت أن تندثر قبل أن تأخذ منا كل جميل......