لم تكن منطقة «الميل 14» الواقعة جنوب بحر العرب حتى قبيل الجولة السابقة للمفاوضات بين الخرطوم وجوبا معروفة لدى كثير من السودانيين، وكانت مثلها مثل كثير من مناطق السودان المغمورة، ولكنها صعدت إلى السطح وتردد اسمها في وسائل الإعلام، لدرجة أصبحت معها إحدى العقبات الرئيسة في سبيل الوصول لاتفاق حول الحدود بين السودان والجنوب بعد المناطق الأربع المعروفة المتنازع عليها، وهي المقينص وكاكا وكافي كنجي وحفرة النحاس. «الميل 14» اشتهرت بصورة كبيرة عندما وضعتها سكرتارية الاتحاد الإفريقي في المفاوضات الماضية الخاصة بالحدود والمنطقة العازلة منزوعة السلاح بين السودان ودولة الجنوب، خطأ غير مقصود أو مؤامرة.. لا أحد يدري حتى الآن، وهكذا عندما قدمتها الوساطة في الخريطة الجغرافية التي توضح الحدود ضمن حدود دولة الجنوب رغم أن «الميل 14» لم تكن منطقة متنازعاً عليها في يوم من الأيام، ويشهد على ذلك تقرير لجنة ترسيم الحدود، وهي كذلك تقع شمال خط 1يناير 1956م، ويقول عدد من أبناء قبيلة الرزيقات إن المنطقة شمالية وتتبع لحاكورة الرزيقات بشرق دارفور، وإنها تاريخياً ظلت تابعة لمديرية دارفور ودار رزيقات. ويعتبر المكون السكاني الرئيس لمنطقة «الميل 14» الرزيقات والبرقد والهبانية والفلاتة بوصفها قبائل رعوية، وغيرهم من الكريج والسارا في الاتجاه الغربي في مناطق كافي كنجي وحفرة النحاس، وفقاً لعدد من الروايات. ولكن رئيس مجلس شورى قبيلة الرزيقات القيادي محمد عيسى عليو أعطى «الإنتباهة» صورة كاملة عن المنطقة عندما استفسرته عنها بالأمس قائلاً: «سماحة وسفاهة و«الميل 14» وبحر العرب، هي كلها مسميات لمنطقة واحدة، وتقع جنوب بحر العرب الذي تأتي اليه المياه من حدودنا»، ورغم ذلك يرى عليو أن ثلث سكان الجنوب يعيشون في تلك المنطقة باعتبارها أقرب لحدود دينكا ملوال، حيث تعتبر منطقة قوق مشار الأقرب إليها من ناحية الجنوب، وتبعد عنها بمسافة تتجاوز «20كلم» بقليل، وتحدها من الشمال منطقة أبو مطارق رئاسة محلية بحر العرب وتبعد عنها بمسافة تقدر بحوالى «200 كلم». وتعتبر المنطقة مدينة صيفية، وتعرف بالمدينة الراحلة حيث أنها تكون آهلة بالسكان في الشهور من يناير وحتى أبريل، وعند حلول شهور الخريف تمتلئ المنطقة بالمستنقعات ويغادرها السكان، وشكا أبناء شرق دارفور من إهمال الدولة المنطقة وأمنها وسكانها، وقالوا «رغم امتلائها بالسكان فهي مدينة بلا شرطة وبلا جيش مما أغرى الحركة الشعبية بإعلانها منطقة جنوبية»، وأشاروا إلى أن الحركة أقدمت على إنشاء «ردمية» على طول الطريق من اويل وحتى بحر العرب، بل أنشأت جسراً على البحر. ويرجع الخلاف حول المنطقة إلى العقد الثاني من القرن الماضي عندما كان الانجليز يحكمون البلاد، وحدث أن كانت هناك اتفاقية بين الانجليز وسكان المنطقة، وفي ذلك يقول محمد عليو: «حدث خلاف بينا وبين دينكا ملوال حول الحدود، وعقدت عدة مؤتمرات في هذا الشأن منها مؤتمر 1918م، وهو الذي منحنا المنطقة، ولكن الدينكا اعترضوا على نتائج المؤتمر، ليجيء مؤتمر 1924م بذات النتيجة، وهو الذي حدد المنطقة جنوب بحر العرب». بكل هذا الثقل التاريخي الموغل في القدم ورغم المؤتمرات التي عقدت من أجلها في السابق، عادت المنطقة إلى الأضواء مجدداً عندما أدخلها تقرير لجنة أمبيكي وخريطته المثيرة للجدل في أغسطس الماضي ضمن المناطق المتنازع عليها مرة أخرى، في ظل إهمال من الوساطة ووفد الحكومة المفاوض.. لا أحد يدري!! ولكن على الرغم من كل ذلك فإن سكان المنطقة متمسكون بها، وأكدوا في عدد من اللقاءات والمؤتمرات التي أُقيمت أخيراً جاهزيتهم للدفاع عن أراضيهم والذود عنها. وهاجم عضو لجنة ترسيم الحدود حريكة عز الدين في ندوة نظمتها مجموعة من أعيان قبيلة الرزيقات بالخرطوم نهاية أغسطس الماضي، موافقة وفد الحكومة المفاوض على ضم منطقة «الميل 14» للمناطق المتنازع عليها، واتهم المفاوضين بالجهل بحدود 1/1/1956 م، ودعا إلى تمثيل أصحاب تلك المناطق في التفاوض لمعرفتهم بحدودها، وأكد أنّ منطقة «الميل 14» لم تكن ضمن المناطق المتنازع عليها، ونوّه بأن تقرير لجنة ترسيم الحدود ينبغي أن يكون مرجعية للتفاوض بين دولتي الشمال والجنوب.