انشغل جوالي طيلة نهار ومساء أمس، بالعديد من الاتصالات مع عدد من الإخوة المغتربين بالمملكة العربية السعودية. تحدثوا معي في ما يعتقدون أنها الأزمة المستعصية، والهم الذي يؤرقهم و(الجب) الذي يبتلع كل ما يحصده المغتربون من متاع الدنيا ومكاسب الهجرة.. فاجأوني بأن ما طرحته بهذه الزاوية السبت الماضي تحت عنوان« سواكن.. البوابة الخربة» شيء، وما هو في واقع الحياة شئ آخر تماما.. وأنني رسمت صورة لا يبدو أنها تقترب عن واقع مأزوم.. رغم اعتقادي أنني تحاملت كثيراً على حقيقة وطبيعة الأشياء بميناء سواكن.. ولكن يبدو أن ما صورته من واقع منهار تماماً، أدمى الجراحات، وذكّر السودانيين في مهجرهم بمعاناتهم. فهم يعتقدون أن ما أشرنا إليه من ترد في الخدمات والمعاملات بسواكن، لا يساوي عُشر الأزمة والمعاناة التي يكتوي بها كل من (عبر البحر قاصد الأهل).. كم من الحكاوي والقصص والمآسي دارت تفاصيلها على مسرح بوابة سواكن، حيث تفرغ الحقائب والجيوب من محتوياتها حتى يمنح كل قادم صك (العبورالمستحيل ).. فكل مغترب يدفع.. ثم يدفع.. ثم يدفع ويسكب عرقه وحصاد سنينه في جراب الجمارك وما شابهها من مواعين أخرى عبر مسميات متباينة. وبالطبع هو جراب لم ولن يمتليء.. وحتى لو امتلأ وفاض فإنه لا عائد منه لهؤلاء المغتربين. ولهذا فإن الذين اتصلوا علينا حاروا في أمرهم.. هل يطيلون أمد الغربة لتبتلعهم المهاجر بلا عودة.. أم يغامرون أم يتوكلون على الله الدائم الحي ويركبون المصاعب لعبور سواكن.. لقد حدثني من أثق في روايتهم بأن السلطات هنا في ميناء سواكن ينظرون إلى المغتربين كما الأجانب. والبعض يقول إنه كل ما حدثته نفسه بالعودة وشد رحاله، تذكر الوجع الذي ينتظره على بوابة سواكن فارتد على عقبيه.. وفكر في ركوب الجو ولكنه أيضا تذكر أن «سودانير» هي الأخرى طائر مكسور الجناح، لا يقوى على العواصف والمطبات الهوائية، فوقف حائراً يندب حظه.. وكثيرون يحلمون بعودة آمنة تفتح لهم آفاقاً جديدة في حياة ما بعد العودة.. وحتى القرارا ت التي تصدر بحق شريحة المغتربين دائماً تأخذ طابع الخبط العشواء والارتجال، فما أن تصدر جهة ما قراراً أو توجيهاً لصالح هذه الشريحة، إلا ويأتيها سلطان آخر أكثر قوة ونفوذاً يعيد الأوضاع إلى مربعها الأول.. وهذه حكاية مريرة تتجلى بوضوح في قضية استيراد العربات المستعملة التي شهدت حالة من الشد والجذب وصراع السلطات والاختصاصات، ولازالت القضية قي تيه وعصيان وغموض، حيث غاب سلطان الدولة وتعاظم دور الكمبارس. .(0912647861)