إن من حق الدكتور محمد محيي الدين الجميعابي أن ينتحر.. تمامًا كما انتحر قبله الدكتور يوسف الكودة.. وهو انتحار قد لا يُعاقَب عليه في الدنيا.. إذا كان القانون السائد هو القانون العلماني الذي يُعلي من الحرية الشخصية إلى ما فوق العقائد والكليات الشرعية.. أليس انتحارًا أن يتحول الإسلامي بل الداعية الإسلامي إلى علماني.. وهل هذا الدفاع المستميت من الكودة ومن الجميعابي عن الكوندوم وعن الزناة إلا ضرب من ضروب العلمانية.. إن الكودة والجميعابي يتكلمان عن الزاني وكأنه رقم اجتماعي ومكوِّن من المكونات العادية الطبيعية التي تُرى في المجتمع.. ويبدو أن الزنا عند هذين الناشطين أقل ضرراً من النزلات المعوية أو الإمساك أو الإسهال.. وهو لا يثير عندهما من الدهشة فقط الدهشة مثلما تثيره الملاريا والدوسنتاريا.. والمدهش أن الجميعابي طبيب.. والكودة قانوني وفقيه!! ومع ذلك فهما لا يقدمان من الدواء للزنا ما يقدمانه للملاريا والإسهال والنزلات المعوية.. إن الذي يُجهد الأستاذان الجليلان نفسيهما في تقديمه وتوفيره وتيسيره للزناة هو ما يسميانه الزنا الآمن.. وبالله عليكم تصوروا كيف يخاطب الكودة الزاني والزناة عموماً وينصحهم باستخدام الواقي الذكري تماماً كما يخاطب المدرب لاعب الكرة وينصحه باستخدام الأنكل أو الكدارة.. «معذرة لم تسعفني الحافظة بأسرع من هذا المثال».. يقول يوسف الكودة: «ونحن نقول للزاني الذي يزني من وراء ظهورنا ولا يستخدم الواقي، نقول له اتق الله واستخدم الواقي». هل الكوردة مختل عقلياً؟ هل هو متخلف عقلياً؟ هل إذا زنى شاب واستخدم الواقي الذكري يكون قد اتقى الله؟! وإذا زنى آخر ولم يستخدم الواقي الذكري يكون ممَّن لم يتقِ الله؟ بالله عليكم قولوا لي وقولوا للكودة: هل هذا هو الإسلام الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم؟ أم هذا هو دين الأممالمتحدة الذي نزل على الكودة ليختم به رسالات الفجور والفسوق والعصيان؟! هل يريدنا الكودة أن نحمل صناديق الكوندوم وندور بها في محطات الحافلات وفي دُور الرياضة وفي الأسواق ونسأل خلق الله واحداً واحداً: هل أنت زانٍ؟ وإذا كنت زانيًا هل تستخدم الكوندوم؟ فإذا قال نعم ولكنه لا يستخدم الكوندوم نقول له اتّقِ الله واستخدم الكوندوم !! هل هذه تقوى الله عند الكودة؟ وهنا يطيب لي أن أصحِّح استشهاد الجميعابي الذي أراد أن يُفحم به الأخ المجاهد دفع الله حسب الرسول وإن كنتُ أوجهه إلى الكودة حول ما قاله وافتراه من تقوى الله. قال صلى الله عليه وسلم «إن الرجل ليُلقي بالكلمة من معصية الله لا يُلقي لها بالاً يخرُّ بها في جنَّهم سبعين خريفاً». ومعنى قوله لا يُلقي لها بالاً أي لا يظن أنها تُخرجه من الإسلام.. وإلا فكيب يخرُّ بها سبعين خريفاً وهو على ملة الإسلام؟! وأحبُّ أن أذكر للجميعابي أن استشهاده واستدلاله ليس في محله فالكلمة من معصية الله التي وردت في الحديث ليس منها أن يقول الإنسان لآخر أنت كذاب لسبب بسيط هو أنها عبارة تحتمل الصدق وتحتمل الكذب ولكن المقصود الكلمات التي تمس الذات الإلهية يقولها صاحبها للإضحاك ولتسلية الآخرين كما يفعل محمد موسى أو كما يفعل بعض كُتاب الأعمدة أو بعضُ قليلي التديُّن!! وفي الحديث بقية لو استحضرها الجيمعابي لعلم أنه مخطئ في استشهاده. واستشهادات الجيمعابي كارثية.. فهو يستدل ويستشهد على أن أهل النيل الأزرق زناة!! ويزعم أن الذي حدَّثه بذلك هو بروف علي محمد إدريس وزير الصحة بولاية النيل الأزرق وهو من متمردي الحركة الشعبية وانقشع كما انقشعت الحركة الشعبية وعقارها وعرمانها وباقانها، ويزعم الجميعابي أن المتمرد المجروح العدالة تحدَّث له عن فوضى شديدة جداً في أوساط أناس لم يصلهم الدعاة ناس دفع الله لم يصلوهم، ومما قاله لي: الحقوني بأي شيء بتوعية، بكوندوم لأني عندي ناس مما يصحوا فهذه عادتهم». وأنا أقول: «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا» والجميعابي ربما لم يَرَ النيل الأزرق قط ولعله إن فعل لم يزد على زيارة الروصيرص والدمازين، أما أرياف النيل الأزرق وغاباتها وقراها ووديانها ومشروعاتها الزراعية وأسواقها فهو قطعًا لم يرها ولم يزُرها.. وأنا أقول له على الخبير سقطت.. فأنا قضيت أكثر من عام في أرياف النيل الأزرق وفي غاباتها في منطقة ود دبوك وشمالها وجنوبها وشرقها وغربها في أعوام 9293 وعشت مع الناس وتعاملت معهم عمالاً وباعة وزراعًا وغيرهم، فلا أذكر قط أن عبارة زنى أو يزني أو زانٍ قد كانت من العبارات التي تُسمع قط، ولم أسمع رواية ولا قصة ولا حكاية ولا نادرة ولا قضية ولا جريمة تُنسب إلى الزنا، بل لا أذكر إلا بساطة القوم في الأرياف وطيبتهم وسذاجتهم.. بل أذكر أن فتاة من الأنقسنا في منطقة كمبو عمران في المشروع السعودي كانت على درجة من التديُّن والورع والحياء والمداومة على الصلاة حتى أذهلتنا نحن أهل الدعوة.. وكنت أتمنى أن بعض أهلي كان في تديُّنها، وليس صحيحاً أن الدعوة لم تصل إلى تلك الأماكن كما يدّعي الجميعابي تشهيرًا بأهلها وكذبًا عليهم.. فقد كنا ونحن نقوم بعملية «أم مجتي» في الغابة نشاهد قوافل الدعوة الشاملة يقودها آنذاك الأخ إبراهيم عبد الحفيظ تجوب المنطقة ليلاً ونهاراً وتقدِّم العلم والفقه والتأهيل والمساعدات بأنواعها. إن الواجب على الأخ الجميعابي أن يقدِّم اعتذاراً جاداً وعاجلاً لأهل النيل الأزرق قبل ألا يقدر على الاعتذار.. ولا أدري من أين يأتي الأخ الجميعابي بهذه الأفكار الفجَّة والأحكام المتعجِّلة.. إلا إذا كانت شهوة الانتحار هي التي تدفعه. فمن قال له إن البطالة تؤدي إلى الزنا وإن الشباب إذا لم يرزقه الله بعمل أصبح زانياً؟! أعتقد أن الأخ الجميعابي أصبح في حالة ذهنية شاذة وقد توفر عنده ما يسميه أهل العلم Mental Set وهي تقوده إلى نتيجة واحدة في جميع القضايا التي تواجهه، وأخشى أن كل شيء عنده أصبح يقود إلى الزنا بسبب الحالة.. البطالة تقود إلى الزنا.. الوظيفة المحترمة تقود إلى الزنا.. والراحة تقود إلى الزنا.. والتعب يقود إلى الزنا.. والنجاح يقود إلى الزنا.. والفشل يقود إلى الزنا وكل شيء في الدنيا وفي الإنسان يقود إلى الزنا.. حتى الفطرة نفسها أخشى أن يزعم أنها تقود إلى الزنا.. أخشى أن يكون الأخ الجميعابي مصابًا بالوسواس القهري فكل شيء يقود إلى الزنا.. لأن كل شيء يجب أن يقود إلى الكوندوم.. إن الأخوين الكودة والجيمعابي ينسيان أن أول خطوط الدفاع ضد مرض الإيدز وانتشاره هو التحصُّن بالزواج «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج» وخط الدفاع الثاني هو العفة الطبيعية «وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ» ولم يوجههم إلى استخدام الكوندوم!! ثم بعدها العفة المكتسبة وهي خط الدفاع الثالث «فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» ولم يقل عليه بالكوندوم!! وبعدها رقابة المجتمع.. وهي تأتي في مرحلة متقدمة.. وهي مرحلة «فرِّقوا بينهما في المضاجع» وهو خط الدفاع الرابع.. وخط الدفاع الخامس هو الردع وهو الجلد لغير المحصن والرجم للمحصن.. وهو الحد وخط الدفاع الأخير .. مع عدم الرأفة «وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ» إن التحدث عن الكوندوم بكل هذه «البجاحة» والقحة هو أول ثلمة وأول خرق في خطوط دفاع الأمن الاجتماعي وأول هدم لجدار العفة الذي بناه وشاده وأمتنه القرآن والسنة.. وسنعود بإذن الله..