أسير بكم عبر هذه الاستراحة إلى دار جعل التي عزاها الله وإلى عاصمتها المتمة وشندي أسرع بكم الخطوات بي شارع ود البي إلى البنطون لأعبر بكم إلى أرض المتمة حيث ديوان ود البي ناظر دار جعل ذلك الرجل العملاق الذي جعل كتاب التاريخ يسعى إليه ليكون في صفحاته أن حاج محمد ود البي تسلم زعامة الجعليين من والده إبراهيم بك فرح الدين كان ناظراً للجعليين في العهود الأولى للاستعمار الإنجليزي المصري والرئاسة في بيت ود إلى تالد عن تالد نالوا هذه الرئاسة بخصائص حميدة اختص بها هذا البيت الكريم وجعلت دار جعل تنقاد إليه آمنة مطمئنة وأن الزعيم بتلك الخصائل كان الرائد الذي لا يكذب أهله.. وقد سجل مواقف ومشاهد جعل البلد تفتخر به كرائد وطني وقائد ممتاز.. وفي نهاية الاستعمار وبداية العهد الوطني كان البرلمان الذي يأتي إليه الأعضاء بالانتخاب الحر وكانت أول انتخابات أجريت في السودان عن طريق لجنة دولية محايدة بقيادة المستر سكومارسن SKUMARSN وهو هندي الجنسية نال شرف رئاسة اللجنة ومعه مناديب أعضاء من دول محايدة هي أمريكا وإنجلترا ومعهم عضو سوداني (نسيت اسمه) وقد أفرزت الانتخابات أعضاء أغلبهم من زعماء الإدارة الأهلية مثل السيد طيفور محمد شريف دائرة الدامر والشيخ المجذوب إبراهيم بك فرح شقيق ناظر الجعليين عن دائرة شندي وغيرهم من زعامات الإدارة الأهلية بالسودان في أول برلمان بعد الاستعمار وكانت معركة الانتخابات شرسة بين الوطني الاتحادي بزعامة الرئيس إسماعيل الأزهري تحت رعاية السيد علي الميرغني وبين حزب الأمة تحت رعاية السيد عبد الرحمن المهدي (عليهما الرحمة والرضوان جميعاً) وفاز الحزب الوطني الاتحادي.. بالأغلبية والتي تشكل الحكومة.. وكان ود البي ضمن قيادات الوطني الاتحادي.. وكان الناظر عضواً بمجلس الشيوخ (المجلس الحكماء الذي هو ضمن الكوكبة البرلمانية) ولما جاء إعلان استقلال السودان وجاء رفع العلم بواسطة الزعيم إسماعيل الأزهري كان مجلس النواب والشيوخ في حالة انعقاد وقرروا أن يسيروا في موكب موحد بالعربات للقصر الجمهوري ولكن ود البي الناظر وعضو مجلس الشيوخ يقف بقامته المهيبة ليعدل الاقتراح أن تكون المسيرة ليست بالعربات وإنما سيراً على الأقدام (كداري) ووافق المجلسان على هذه المسيرة التاريخية، وسار النواب وسط جموع الشعب بالشارع يتقدمهم ود البي رافعاً عكازه الشهير على كتفه تارة يبشر به الشعب ومرات يضعه على كتفه وساروا إلى أن وصلوا للقصر يتقدمهم الناظر هازاً مبشراً بعكازه الشهير.. هذا المشهد سجله الإعلام المرئي والمسموع في تلك الأيام 1956م وتمضي الأيام وكان اللواء محمد نجيب رئيساً لحكومة مصر بعضوية البكباش جمال عبد الناصر نائباً له.. ولكن عبد الناصر وأعوانه من العساكر تنكروا واللواء نجيب الدين كان الرئيس واجه الشعب المصري وقالوا إنه متعاون مع الإخوان المسلمين وكان السودان يكن محبة للرئيس نجيب حيث نشأ بالسودان مع والده الذي كان عسكرياً ومن هنا تحرك الناظر ود البي بصحبة ابنه الصغير كمال إلى القاهرة وتوجه إلى عبد الناصر في قصر عابدين ووقف عبد الناصر وأعوانه إجلالاً له وتقديراً لهيبته حينما رأوا شخصه المهاب وأعطاهم التحية وقال لهم: «جئت من السودان مخصوص لأقول لكم يجب إعادة اللواء نجيب فوراً لمكانه وإلا علي الطلاق لترون من السودان موقفاً لا يسركم» وفي الحال استجاب المجلس العسكري وأعادوا نجيب كما كان.. وفي نجيب قال الشاعر أحمد محمد صالح قصيدته الشهيرة: ما كنت غداراً ولا خواناً كلا ولم تك يا نجيب جباناً يا صاحب القلب الكبير تحية من أمة وليتها الإحسانا ويعود نجيباً بفضل ثورة ود البي وطلاقه.. هذه مواقف سيداتي سادتي أسجلها للتاريخ عبر الزمان والأيام.. وهناك موقف طريف لأحد رجال الجعليين من نهر عطبرة اسمه احمود ود الأمين وكانت عنده قضية محددة عند أحد العمد بمركز بربر وركب حماره في الصباح الباكر وتوجه إلى مقر العمدة ووصل في تعب بعد خمس ساعات ووجد العمدة وأعضاءه قد تناولوا طعام «الفطور» والخدام حمل عدة الفطور وخرج بها وهو داخل وكان يتوقع أن يحضروا له فطورًا ولكن خاب ظنه فقد عاد الخادم يحمل الشاي «وكب» منه للعمدة والأعضاء فقط ولما أراد أن يحمل العدة قال له العمدة كب لي ود الأمين وكب له الشاي وتناول ود الأمين الكباية ودفعها على الأرض في معاينة للعمدة وأعضائه وقال له العمدة ليه دفقت الشاي فقال له لأنني في العام الماضي شربت شاي بسراية ناظر الجعليين ود البي وما زلت أتذوق طعمه وما أردت أن أفسد طعمه بشاي البخلاء؛ لأن طعام الكريم دواء وطعام البخيل داء وهكذا ألغم العمدة البخيل حجراً مشيداً بناظر الجعليين الذين كان يوزع الطعام والشاي بنفسه على الضيوف، الرحمة والرضوان على ود البي وإخوانه جميعاً وأسجل هذه الذكريات تحية لأبناء ود البي الذين يتغنون بآبائهم قائلين: أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع