عرف السودان بأرضه الواسعة وقبائله المتعددة، الأمر الذي جعله غنيا بموروثاته التي تتشابه عند بعض قبائله وتختلف عن البعض الآخر، ولكل قبيلة عادات تخصها وحدها دون سواها، فقبائل شرق السودان اشتهرت بحبها لاحتساء القهوة، فيما عرفت قبائل «البقارة» بحبها لشرب الشاي، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تحولت الجلسات الاجتماعية لمجلس خاص عُرف تاريخيا باسم مجلس «البرامكة»، والبرامكة جمع لكلمة برمكي وتعني الكريم. واحتساء الشاي في مجلس البرامكة عبارة عن حلقة أو تجمع كبير يجمع أفراد القبيلة من مختلف المناطق لشرب الشاي، وفقا لطقوس ومراسم يتم اتباعها في تلك المجالس باعتبارها نظاما اجتماعيا لم يقصد به تناول الشاي فقط، وتم اتخاذه وسيلة غايتها الوحدة والتآلف والتعاون بين تلك الجماعة. وتقول الباحثة في مجال التاريخ زينب صالح، إن مجالس البرامكة تمتاز بالنظام والدقة والسلوك القويم، مما يعكس عظيم الأثر في سلوك أعضاء المجلس والمجتمع بشكل عام، واضافت أن أصل كلمة البرمكي تعني «كاهن بيت النار الأعظم في فارس»، أما في العصر العباسي فكانت لهم مجالس اشتهرت بالبذخ وكان فيها شعر وموسيقى، في حين أن قبيلة البقارة السودانية تقيم المجلس وتنظم له الشعر ويسمى «الشحر»، وتتراوح موضوعاته بين الشاي والتغني به والغزل، مشيرة الى أن الشاعر عثمان آدم يعد من اشهر شعراء البرامكة، وله قصيده طويلة في الشاي يسرد فيها رحلة الشاي منذ جلبه من مصر حتى وصوله الى دياره في غرب السودان، فيقول، «الشاي محبوب، من مصر مجيوب، جابتك الدابه الما عليها قرون». وأوضحت زينب إن مجلس البرامكة يتكون من رجال ونساء يخضعون لقوانينه، فلا ينفصلون إلا في لحظات الأكل وشرب الشاي، مبينة أن للمجلس وظائف إدارية لكل منها مهام محددة، فهنالك وظائف ذات طابع عسكري تتألف من ضابط المجلس والملاحظ والمفتش، وتكون مهمتهم مراقبة الأعضاء وتجريدهم من الأسلحة التي يحملونها، ثم الوظائف ذات الطابع الإداري كالشيخ الذي يكون مسؤولا عن المحكمة في حالة انعقاد المحاكم الخاصة بالمخالفات، ثم العمدة والناظر والبيه «بك» والسكرتير، بجانب وظائف الخدمات مثل الكمساري «محصل النقود» والسفرجي الذي يعد الطعام، والخفير الذي توكل إليه أهم مهمة وهي مراقبة الأخطاء أثناء الجلسة، ثم التعبئة وهي مهمة من يقوم بتعبئة وتوزيع الشاي، أما وظائف المجلس الخاصة بالعنصر النسائي فتتمثل في وكيلة المحكمة والملكة التي تعتبر الثانية بعد رئيسة مجلس النساء، ووظيفتها تعادل الناظر في مجلس الرجال، وتعرف أحيانا بالنشيمنة.