بالأمس القريب يتكرَّر الطعن والسخرية والاستهزاء والإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكفر والعناد من اليهود والنصارى وفي هذه المرة كانت الإساءة مقننة، ولكن فليعلموا إنهم مهما حاولوا أن يطفئوا نوره صلى الله عليه وسلم فلن يطفئوه، ومهما أرادوا أن يمكروا به فإن الله عاصمه وهو خير الماكرين، وأن كل إساءة وحرب إعلامية على الإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم نتائجها بإذن الله أن يدخل الناس في دين الله أفواجاً، فعندما نهى كفار قريش الطفيل بن عمرو الدوسي نهوه أن يستمع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في موسم الحج، فإنه ساحر وإنه كاهن وإنه شاعر وإنه مجنون واستجاب بأن وضع الكرسف في أذنيه حتى لا يسمع كلام الله تعالى من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أخيراً رمى الكرسف من أذنيه فكان الإيمان والنور الذي اخترق قلب أبو الطفيل فدخل الإسلام في الحال ثم دخل أبوه وأهل بيته وقومه ونحن نستبشر خيراً بأن من يدخل الناس في دين الله أفواجاً بهذا السب للنبي صلى الله عليه وسلم وإن كانوا يريدون أن يقيسوا نبض الشارع المسلم ومدى ارتباطه بالإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم بعد تداعيات سياسة عالمية فإن الأمر أتى على خلاف ما يتوقعون أتى لشحذ همم المسلمين للوحدة والاعتصام ويزيد من الحب والشوق والتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم بهذا الحسد الفتاك الخارج من ظلمانية الشر عندهم عندما هاجمه النور المحمدي الذي أضاء من قبل قصور كسرى وقيصر ولم يزل، صاروا كثور يريد أن ينطح السماء ولن... والحب القلبي الذي لا يكتمل إيمان المرء إلا به هو ذلك الحب الذي دفع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبناءهم يخرجون كل يوم إلى خارج المدينة تحت لفح الشمس وحرارة الظهيرة ينتظرون مقدم الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة وقد تركوا أموالهم وتجارتهم وممتلكاتهم حتى إذا بدا ولاح لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر التمام ومصباح الظلام في اليوم الثاني أو الثالث امتلأت قلوبهم بالفرح وذرفت عيونهم الدموع شوقاً ولهجت ألسنتهم بالمدح والثناء: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع هذا هو الحب الذي دفع الملايين من المسلمين اليوم ليخرجوا إلى الشوارع تعبيراً عن حبهم القلبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعن غضبهم الشديد للإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم.. ولقد فرض الله على المؤمنين تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ٭ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً). فالأمر الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد الإيمان في هذه الآية هو تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم (انظر تفسير الآية في ابن كثير) والرسول صلى الله عليه وسلم هو الأصل في الشعائر الإسلامية التي أشار الله بتعظيمها إلى تقوى القلوب (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) والتعظيم هو التعبير عما يجيش بالقلب من حب وود عاطفي وشوق يهز القلب ويستبد بالمشاعر فتعبر الجوارح عن ذلك إما بحركة وتحرك نحو الحبيب.. انظر إلى ذلك الصحابي الذي جعله الحب والشوق إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يضربه بسياط العشق فيتحرك من مكانه الذي كان فيه ليأتي إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم ويجلس أمامه ويقول له «بأبي أنت وأمي يا رسول الله لأنت أحب إلي من مالي وأهلي وإني لأذكرك فما أصبر حتى أجيء فأنظر إليك وإني ذكرت موتي وموتك فعرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبي وإن دخلت لا أراك» فأنزل الله قوله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ). وأحياناً يكون التعظيم تبركاً بالمعظم سيد السادات رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره، كما جاء ذلك في صحيح البخاري عندما أتى عروة بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه فوصفهم فقال إذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره وإذا تكلم خفضوا أصواتهم وإذا تنخم نخامة فوقعت في كف أحدهم دلك بها وجهه وصدره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، فقال عروة لقد وفدت إلى كسرى وإلى قيصر فما رأيت أحداً يعظم أحداً كما يعظم أصحاب محمد محمداً، وأحياناً يكون نتاج التعظيم تعبيراً باللسان مدحاً وثناءً كما قال حسان بن ثابت: أقول ولا يلقى لقولي عائب من الناس إلا عاذب العقل مبعد وليس هواي نازعاً عن ثنائه لعلي به في جنة الخلد أخلد مع المصطفى أرجو بذاك جواره وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد وهذا النوع من التعظيم هو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم وهي إشارة إلى أن لا نمدحه صلى الله عليه وسلم ونبالغ في ذلك حتى لا نصل إلى درجة أن نشركه بالله تعالى). قال ابن تيمية في الصارم المسلول على شاتم الرسول (قيام المديح قيام الدين وتركه هدم للدين). وكذب من ادعى تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وقلبه خالٍ من الحب والشوق والحنين، والخوارج الذين كانوا يتبعون المصطفى صلى الله عليه وسلم أيما اتباع ويمتثلون أوامره لكن لما خلت قلوبهم من الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ساءوا الأدب مع صاحب الأدب فشككوا في عدالته صلى الله عليه وسلم كما فعل ذو الخويصرة حتى هم الصحابة بضرب عنقه رغم ما يتمتع به ظاهره من صلاة وصوم ولحية وملبس، وهكذا كل من لم يتفاعل قلبه حباً وشوقاً للمصطفى صلى الله عليه وسلم ثم تعظيماً وتوقيراً، فلا بد أن من انتقص من قدر النبي صلى الله عليه وسلم شاء أم أبى وبالتالي يخرج من الإسلام دون أن يشعر رغم ما يتحلى به من مظهر الإسلام، وللأسف فإن بعض سادتنا العلماء قل من يتحدث أو يكتب حاثاً على الحب القلبي والعاطفي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى تعظيمه إلا في مثل هذه المناسبات والبعض يغض الطرف عمن ينتقصون من قدر النبي صلى الله عليه وسلم ممن يمثلون ببشرية المصطفى صلى الله عليه وسلم ببشريتنا نحن مستدلين بظاهر قوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم) وما كفرت الأمم السابقة إلا عندما نظروا إلى أنبيائهم نظرة بشرية محضة (ما نراك إلا بشراً مثلنا). وقليل من العلماء من يبينون للناس أن مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم سنة ثابتة لا سيما في المساجد وقد كان هنالك منبر لحسان بن ثابت داخل مسجده صلى الله عليه وسلم وقد اشتد الإنكار على مدح النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الزمان وقليل من العلماء وأهل العلم ومن هم على نوافذ القنوات الفضائية من يتحدثون عن أحاديث التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم وآثاره مع العلم بأن أحاديث التبرك قد جاءت في أعلى الصحيح، وإنها تشريع ومعلوم أن من أهم فوائد التشريع معرفة الحكم والاعتقاد بموجبه، والتشريع باقٍ مستمر إلى قيام الساعة ما لم ينسخه تشريع مثله ولا نسخ لتشريعه صلى الله عليه وسلم بعد.واسمح لي أخي القارئ عبركم أن أشيد بالشيخ العارف بالله أبونا الشيخ عبد الرحيم الركيني الذي وهب فهماً زائداً في كتاب الله والذي ما تحدث أو تكلم إلا دالاً وحاثاً على حب النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه والتعرف عليه وأتباعه، وليس ذلك في مناسبات معينة كما هو شأن بعض الذين يتحدثون باسم النبي صلى الله عليه وسلم، إخوة الإسلام إن الرد الفعال على المستوى البعيد ينبغي أن نكثر من الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه والذي يكون في زماننا هذا بالإكثار من مجالس مدحه وذكره وتهيئتها ونظافتها وإكرام الجالسين والمستمعين من أحباب الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة والسلام عليه والتعطر بسيرته مثل مجالس (دلائل الخيرات) ومجالس الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم على الأقل كل أسبوع مرة قال ابن تيمية في الفتاوى (فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر لحسن مقصده ولتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وحمل النفس على أتباعه صلى الله عليه وسلم. وأخيراً لمن يسيئون إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلموا أن ملك الجبال والملائكة الذين يدافعون عن رسول رب العالمين صلوات الله وسلامه عليه لم يموتوا وإن لله عند عباده سهام ليل لا «تخطى» (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين» وصلِّ اللهم وسلم على من لا نبي بعده. * إمام وخطيب مسجد غرسلي العتيق (ود العباس)