والتفت سائق الحافلة الصغيرة (الميكرو) ممازحاً الشرطي على الطرف الآخر: تسجيل مخالفة؟ لا لن تفعلها يا صديقي! ابتسامات متبادلة هنا وهناك، بينما يقبل الشاب في عمق الحافلة مجاوراً للنافذة الخلفية أتراها تنازع الموت الآن؟ كان هذا هو اليوم الأخير من امتحانات الفصل الأول، وهو الشاب مسكون بهواجس مرض خطيبته المفاجىء الذي أقعدها عن التقدم لامتحاناتها في الكلية، وهي طريحة المشافي وسط حيرة الأطباء، سلّم الشاب الليرات الخمس إلى الجالس أمامه، لتمضي بين الأكف وتصل إلى المعاون فالسائق.. سأبقى اليوم جالساً إلى نهاية الخط، محاولاً النسيان مع تدفق الطريق، من يدري لعلك زهرة تمضي إلى آخر المطاف، حيث الذبول كما كل أزهار العالم (ذبول سريع) تتهادى الحافلة في الطريق المستقيم متوقفة تارات كثيرة لاستيعاب المزيد من الطلاب المندفعين إلى مقاعد شاغرة تحتويهم، ومع إنها الظهيرة فإن الفرحة بالتخلص من هموم دراسية تكسبهم ألقاً احتفالياً، عند إشارة المرور الأولى بدا أن الحافلة مستعدة لاستكمال الطريق بلا توقف هذه الفكرة تبدو متناسبة مع تكهنات العرافة (تستمر في طريقك سائراً بلا توقف) ومع إنه لم يستطِع التذكر أية عرافة هذه، وأين سبق سمعها، فإنه غاص تدريجياً في عالم الإشارات البعيدة مسلماً عنانه إلى بحرٍ عميق على طرف بعيد موازٍ للسماء التي تظهر بين الأبنية زرقاء موشاة بغيوم هل قالت له العرافة أيضاً (سماؤك زرقاء بغيوم بيضاء، بعضها كالح اللون! لن يخلو دربك من إشارات أربع)! كم إشارة عبرنا حتى الآن في هذا الخط؟ ما أشبه كلمة الخط بالحظ! نقطة تنتقل من حال إلى حال، يكبر العالم أكثر فأكثر فيترائ له كل شيء بهيئة عرافة تتلفع بكل الألوان تقول له مجدداً «البداية خضراء نضرة والنهاية جرداء كالفقر» لعلها نسيت أن تضيف «كالزهرة تماماً» وتمضي الحافلة وقد أخذت الأشجار تتناقص بالفعل مع الاقتراب أكثر فأكثر من مراكز الأبنية الشعبية المكتظة بالسكان، لا مكان للأشجار هنا إلا ما ندر! وتقفز الحافلة مع مطب جديد غير متوقّع، فيهتز الركاب وتتفاوت ردود أفعالهم بين الضحك والتذمّر، يعود صوتها عفية تهز كيانك تراها كانت تقصد هذا المطب أم المرض، وكيف لي أن أسألها آنذاك؟ عينا الشاب النافذتان عبر النافذة تكادان تغمضان ألا يكفيه هذا الإنهاك النفسي والذهني! الامتحان اليوم كان وفق الطريقة الجديدة «خيارات متعددة». لعل العرافة تقتدي بالشكل الجديد هذا تتطور إلى خيارات واحتمالات تتخلص من الغموض! «أمامك طرق كثيرة ستختار واحداً بلا شك» لكنها لم توضِّح متى تأتي هذه الطرق بعد أية إشارة؟ أعتقد أن السائق هو الذي يختار الطريق المناسب المختصر، حتى لو كان مخالفًا للخط الرسمي! ولكن هل أخالف بذلك خط العرافة؟ وحظ الزهرة؟ ماذا تقول العرافة مع قرب وصولنا إلى نهاية هذا الخط؟ «ستنتهي وتفقد طعم الحياة عندما تأتي النهاية، الارتطام، الخارج على قوانين الحساب» ما هذا! واحد، اثنان ثلاثة.. كم خطوة بقيت أمام الحافلة لتصطدم بتلك السيارة المسرعة.. المخالفة! أيتها العرافة هل تتغمص روحك تلك السيارة، الآلة؟ ماذا قصدت بالنهاية؟ نهاية الزهرة؟ أم نهايتي كم احتمالاً بقي؟ هل أنجو أنا؟ زهرة؟ أين الشرطي.. السائق، وبقية الركاب .!