ظلت العلاقات السودانية الأمريكية تحتفظ بسيناريو يمكن وصفه باللا متغير مع الاحتفاظ في أغلب حالاتها بالغموض، فتارة يكون الحذر وعدم الاطمئنان سيدَي الموقف، فواشنطن تتبنى سياسية فرض العقوبات على الخرطوم داخل أروقة المنظمات الدولية وتحرض على المقاطعة الاقتصادية والسياسية حين يشتد التوتر بين الخرطوم وواشنطن، وظهر هذا جلياً بعد طي ملف الجنوب ثم جاءت بملف حقوق الإنسان على خلفية تداعيات قضية دارفور وبحسب مراقبين فإن السياسة الأمريكية تجاه السودان ظلت متشددة منذ عام 1989م بعد استلام الجبهة الإسلامية الحكم في السودان مما أدى إلى نشاط المجموعات المعادية وجماعات الضغط داخل الإدارة الأمريكية والكونغرس وبعض المنظمات التي تخدم مصالح اليهود وغيرها، وسعت أمريكا لكسب ود السودان واستجاب السودان لهذه الرغبة وأبدى تعاوناً لم يسبق له مثيل وقدم للمخابرات الأمريكية كل ما تريد من معلومات، وصححت الحكومة كل المعلومات الخاطئة حول الوجود الإرهابي في السودان، ولعبت أمريكا دورًا كبيرًا في توجيه مسار مفاوضات السلام التي انتهت بتقرير المصير بانفصال الجنوب، مما أدى إلى أن بعض الساسيين والخبراء يرون أن انفصال الجنوب يعني رفع العقوبات الأمريكية والأوربية عن السودان واستثناء الخرطوم من قيود الحظر والعزل، إلى أن اقترب موعد الانتخابات الأمريكية المقررة في السادس من نوفمبر القادم، وستعلن الشهور القادمة من سيفوز بمفاتيح البيت الأبيض، ويرى الخبراء والمختصون في الشأن الأمريكي أنه لم يحدث أي تعامل سريع مع القضايا السودانية في الانتخابات الأمريكية القادمة خاصة في ظل إعادة أوباما للمرة الثانية، وذلك لعدم وجود أي إشارة لقضية السودان في الحملات الانتخابية الحالية.. وتوقع الخبراء عدم اهتمام أمريكا بالسودان باعتبار أن لديها القضايا الأهم على الساحة كإيران ولا تريد الانشغال عنها، بينما قال أستاذ العلوم السياسية والدراسات الإستراتيجية بجامعة الخرطوم د. صلاح حاج علي في ندوة «مستقبل العلاقات بين السودان وأمريكا» بركائز المعرفة للدراسات والبحوث، هناك أمل وترقب لاهتمام السياسة الخارجية الأمريكية بالسودان وتوقع عدم تغيُّر الحال عما هو عليه منذ القدم، حيث ظل السودان من الدول التي لا تهتم بها أمريكا والتعامل معها لأنها جزء من إفريقيا وبالتالي الاهتمام بها من الناحية الإنسانية والمساعدات أو الاهتمام الكنسي، وقال: من غير المتوقع أن يذكر اسم السودان في الحملات الانتخابية وجلسة مناظرة أولى بين المرشحين، في ذات الوقت يرى أن هناك أملاً في أن يأخذ السودان اهتمام السياسة الخارجية في حال عُيِّن جون كيري وزيرًا للخارجية لأنه زار السودان واهتم بقضاياه وأنهى حديثه بأن التغيير لن يكون سريعاً وآنياً وإنما تدريجياً حتى منتصف العام المقبل، وتناول د.عثمان البدري تاريخ العلاقات السودانية الأمريكية في المدى البعيد، وأشار إلى عدم وجود مظلة لإدارة السياسة الخارجية مع أمريكا ورهن تحسين العلاقات مع أمريكا بتحسين العلاقة مع الإنجليز لأنهم موضع ثقة بالنسبة لأمريكا، وابتدرت وزيرة الثقافة والإعلام السابقة والباحثة والمهتمة بالشأن الأمريكي سناء حمد العوض، متوقعة زيادة اهتمام أمريكا بالشأن السوداني في حال اُنتخب أوباما لفترة رئاسية ثانية حيث إنها الدورة الأخيرة له في الحكم، لذلك سيكون أكثر حرية في معالجته للقضايا الدولية التي من ضمنها السودان، كما ذكرت أن أمريكا كوّنت سياستها تجاه القارة الإفريقية للمحافظة على الثروات الطبيعية في ثلاث نقاط، الأولى تتمثل في عدم صرف أموال على إفريقيا وعدم التورّط في صراعات، فيما يرى عميد كلية العلوم السياسية والدراسات الإستراتيجية بجامعة الزعيم الأزهري آدم محمد أن القضايا تتغير وهي التي تحدد السياسة الأمريكية تجاه السودان، وأشار إلى أن الظروف الراهنة لا تبشِّر بتغيُّر كافٍ في السياسة الأمريكية تجاه السودان، وأضاف مدير المركز العالمي للدراسات الإفريقية عبد الله زكريا أن أمريكا ليست على استعداد لصرف دولار واحد في إفريقيا، وأن هناك قراراً بإسقاط النظام في السودان ولكن ليس بالعنف، إضافة لطرد الصين بالقوة الناعمة من إفريقيا باعتبارها العدوالأول لأمريكا، ودعا إلى تغيُّر تجاه السياسة السودانية نحو أمريكا ومعرفة المصالح الحقيقية للبلاد، إذًا، هل من المتوقع أن تأتي الانتخابات الأمريكية بمرشح يمكن أن يراعي في سياسته الخارجية السودان، وأن يتعامل معه بصورة أفضل؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.