٭ لو لا ارتباط الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا بقوى أجنبية ظلت تعادي السودان مستهدفة «اقتصاده» من خلال المساس بأمنه واستقراره ومن بين هذه القوى إسرائيل طبعاً، وهي رائدة المؤامرات فيها، لولا ارتباطها بهذه القوى الأجنبية لقبلنا المنطق الحكومي السوداني الذي يقول بأن «الضمانات لتنفيذ اتفاق التعاون المشترك بين جوباوالخرطوم هي المصالح». هذه المصالح المقصودة هنا ليست لقادة الحركة الشعبية دون بقية شعب دولة جنوب السودان كما أنها ليست للحكومة السودانية دون الشعب السوداني. إذن هي مصالح الشعبين هنا وهناك بالدرجة الأولى. ويمكن لأي حكومة أن تستمر طويلاً وفي نفس الوقت يعاني الشعب من الناحية المعيشية والخدمية. وإذا كان رهان المؤتمر الوطني هنا على انتعاش الاقتصاد والخدمات ليكسب السباق الانتخابي تحت أعين المراقبة الدولية، فهذا ما لا تراهن عليه حكومة الحركة الشعبية وهي تجد الدعم والمساندة من القوى الأجنبية للاستمرار في الحكم حتى ولو مات ثلاثة أرباع الشعب جوعاً ومرضاً.. وأصلاً الجوع والمرض هو نتاج سياسات القوى الأجنبية تجاه دولة جنوب السودان «النفطية» و«المائية». وقادة الحركة الشعبية يمكن أن يتمتعوا بمزيد من الثراء من المنح الأجنبية «السرية» وكذلك العلنية التي تأتي للتنمية والمشروعات الخدمية مثل مشروعات منظمة صناع الحياة التي يتزعمها الداعية عمرو خالد وهو قد زار جوبا مؤخراً ضمن جولة في المنطقة. لذلك لا يمكن القطع بأن المصالح بالنسبة لحكومة الحركة الشعبية هي الضمانات لتنفيذ الاتفاق الأخير على النحو المطلوب. الفرق بين حكومة الخرطوم وحكومة جوبا في هذه الناحية يبقى كبيراً جداً. الأولى تواجه تحديات خارجية والأخيرة بحكم أنها أداة لدول الاستكبار والصهيونية العالمية مسموح لها أن ترتكب كل أنواع الجرائم ضد المواطنين الجنوبيين أو مواطني دول الجوار. ولو كانت مصالح الشعب الجنوبي ضمانات لتنفيذ الاتفاق لما أقدمت حكومة جوبا على وقف إنتاج النفط بحجج واهية وأعذار أقبح من الذنب. لكن يمكن أن تكون الضمانات هي قوة إرادة الدولة السودانية، وقوة منطقها في الإعلام الخارجي والمحافل الدولية، حتى يعي شعب الجنوب من هو عدوه الحقيقي لا المزيَّف. ويمكن أن تكون الضمانات أيضاً الضغوط الداخلية المتمثلة في حالة الاستياء الشعبية من الحركة الشعبية، ولا أدري لماذا تسمي نفسها حركة «شعبية»، وهي مازالت تتمسك بفكرة «تحرير السودان».. هل يريد شعب الجنوب «تحرير السودان».. بعد أن انفصل منه بنسبة قياسية؟! لو كان يريد تحرير السودان لما انفصل ولبقي فيه حتى تحريره. اللهم إلا إذا كان هذا «التحرير» من خلال الحريات الأربع أو «الأربعين».. والأربعين طبعاً هي «الحريات الإدريسية» نسبة إلى السيد الوزير إدريس محمد عبد القادر رئيس وفد التفاوض الحكومي الذي وقّع في أديس ابابا على أربع حريات فقط. ووحدها تكفي لما يثير القلق من ربطها بصداقة جوبا مع إسرائيل. إن الذي يريد تحرير السودان هي الحركة الشعبية بالتعاون مع قوى أجنبية أما شعب الجنوب الذي نسبت الحركة الشعبية نفسها إليه فهو الضحية لمبادئها ومشروعاتها وضحية لكونها أداة لمشروعات التآمر ضد السودان سواء كان على أراضيه أو اقتصاده أو ثقافاته التي لم تستوعب الاحتلال اليهودي لأراضي المسلمين. نقدِّر أن الحكومة السودانية تتعامل مع حكومة الجنوب باعتبار أنها حكومة الأمر الواقع في دولة جارة إلى أن تأتي حكومة رشيدة، بمعنى أنها تضع رعاية مصالح الشعب كأولوية لتكون حقًا هي «حركة شعبية» وليست حركة عمالة وتآمر تتدثر بعبارة «الحركة الشعبية» وشعار «السودان الجديد».