إذا كان لا بد من مفاوضات بشأن ما تسمى بالقضايا العالقة وما أُضيفت إليها من مشكلات جديدة بعد انفصال جنوب السودان، فيبدو أنه ليس من المناسب أن تجري هذه المفاوضات بين الخرطوموجوبا، إذا كانت الأخيرة تفاوض وتعتدي بالوكالة وليس من أجل مصلحة عليا لشعب دولة جنوب السودان التي تمر الآن بمرحلة مخاض ثوري عسير جداً قد يطول زمنه لأسباب خارجية تخدم عملية أن تكون هذه الدولة الوليدة موظفة لأغراض أجنبية ليس لها علاقة من قريب أو من بعيد بشعبها المقهور. فأجندة التفاوض التي يدخل بها وفد الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا إلى قاعة المفاوضات ويجلس إلى جانب نظيره وفد حكومة السودان لم تكن ذات صيغة وطنية منذ الانفصال وكأنما الجنوب بعد إقامة دولة فيه أصبح قطعة أرض كبيرة جداً مملوكة لواشنطن وإسرائيل، وأن الشعب الذي عليها لا بد أن يتحوّل من مالك إلى حالة الزنوج الأفارقة الذين اقتيدوا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية من جزيرة غوري السنغالية كرقيق ولكن بصورة أخرى تتماشى مع التطورات الإنسانية في الألفية الثالثة. والأدلة على هذا يمكن توفرها في ثنايا الإجابات عن بعض التساؤلات عما يمكن أن يستفيد منه شعب الجنوب من مواقف أثرياء الحركة الشعبية في المفاوضات حول رسوم عبور النفط، وإصرارهم على وقف إنتاجه بعد الانفصال بعد أن أصبحوا أثرياء بعائداته المخصصة للجنوب قبل انفصاله. ثم إن المفاوضات نفسها بين الخرطوموجوبا لا تخص شعب الجنوب في شيء حتى لو كانت حول الحريات الأربع المستحيلة في ظل حكم الحركة الشعبية وقادتها هم موظفون في مشروعات التآمر الغربية والصهيونية.. الشعب السوداني هنا يرفض بشدة كما أبان اتفاق حريات أربع في ظل حكمة سفا كير وباقان وروجر ونتر مستشارها اللّعوب. وإذا كانت الحركة الشعبية تفاوض عن بعض الجهات الأجنبية التي يمكن أن توظفه ضد السودان من خلال الحركة الشعبية داخل دولة الجنوب، وقد يتمتع بهذه الحريات الأربع أمثال من كانوا يرفعون العلم الإسرائيلي من الجنوبيين في جوبا أثناء الاحتفال بإعلان الانفصال الذي يسمّونه استقلالاً من الجلابة ودرجة المواطنة الثانية و«وسخ الخرطوم» كما قال باقان، قال:«ارتحنا من وسخ الخرطوم». لكن لا أدري لماذا حنّ لهذا«الوسخ» وقام بزيارة إليها قبل احتلال قوات حكومته ومرتزقتها لمدينة هجليج؟!.. لكن إذا كان لا بد من التفاوض وليس من المناسب أن تفاوض الخرطومجوبا، فمن إذن تفاوض؟ الإجابة ببساطة هي أن تفاوض واشنطن وأن يكون موضوع القضايا العالقة بين السودان وجنوب السودان ضمن فقرات التفاوض حول تطبيع العلاقات بينها وبين الخرطوم وهو الأمر الذي أعطته الحكومة السودانية أهمية كبيرة. فواشنطن عدو فاعل لكن جوبا عدو مفعول به. وموضوع الحريات الأربع يمكن أن ترفضه الحكومة السودانية أمام وفد واشنطن المفاوض الذي يهمه استثمارات النفط، كما يهم السودان سوق النفط الأمريكية كواحدة من الأسواق العالمية. وأي نتائج لاتفاق بين الخرطوموواشنطن يمكن أن يستمر ثمارها إلى ما بعد إطاحة حكم الحركة الشعبية في جوبا. وبالطبع سيستفيد الحكام الجدد في جوبا من أخطاء وجرائم وحماقات أسلافهم. والآن واشنطن إذا كانت بالفعل تريد خيراً لشعب الجنوب وكذلك تريد إسرائيل لما رضيتا بوقف إنتاج النفط الذي يعتمد عليه شعب الجنوب بنسبة 98%، وإذا لم يستفد منه الآن بسبب الفساد الذي حطمت فيه الحركة الرقم القياسي فإن الاستفادة يمكن أن تكون مستقبلاً بعد عملية التغيير الثوري الديمقراطي المحتملة جداً.. وها نحن الآن وقبل الآن نرى تحركات قوات الثوار لحصار المدن وآخرها مدينة بانتيو.. إذن الحوار ليكن بين الخرطوموواشنطن أو الخرطوم والثوار الجنوبيين مستقبلاً. { حاجة عجيبة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي كان قد أصدر فتوى جيّدة جداً تحرّم على المسلمين الزيارات إلى المسجد الأقصى قبل التحرير من اليهود باستثناء أبناء الأراضي المحتلة، لكن ما حدث مؤخراً هو زيارة مفتي مصر منذ عهد مبارك الشيخ علي جمعة إلى المسجد الأقصى بعد أن سمح له اليهود لغرض يخصهم، ومن قبل لم يسمح اليهود للشيخ رائد صلاح والشيخ صبري عكرمة إمام المسجد الأقصى بالزيارة وهما من أبناء الأراضي المحتلة. فماذا تقولون؟!