غيَّب الموت الشاعر الغنائي الكبير السوداني المعروف صديق مدثر عن عمر ناهز ثلاثة وثمانين عاماً وبعد مسيرة حافلة بالعطاء والإبداع، ووري جثمان الفقيد الثرى يوم الخميس في مسجد الملك خالد بحي أم الحمام في العاصمة السعودية الرياض. ولد الراحل في مدينة أمدرمان عام 1929،. من عائلة الهاشماب العريقة التي أثرت السودان بعدد وافر من الرموز والقيادات السياسية والدينية والأدبيَّة والعسكرية ونال دبلوم كلية المعلمين الوسطى وشهادة من مدرسة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة المصرية. بدأت رحلة صديق مدثر مع الشعر في العشرينيات من عمره. وقد تمّ تكريمه في تلك السن في حفل شهده الرئيس إسماعيل الأزهري. كان التكريم بسبب قصيدته «فتاة الوطن» التي يغنيها نقيب الفنانين الفنان أحمد المصطفى. لم يكن التكريم مادياً بل كان أدبياً. وذلك في حفل أقيم بمناسبة يوم المرأة. كانت سكرتيرة الاحتفال السيدة الشابة الرائدة «حاجة كاشف بدري» التي طلبت من الحاضرين الاستماع إلى القصيدة وقوفاً. وقد كان. شهد ذلك الحفل المميَّز الرئيس الزعيم إسماعيل الأزهري وأعضاء الحكومة الوطنية. يعتبِر صديق مدثر «فتاة الوطن» أهمّ قصيدة في حياته، فقد منحته تكريماً قلّ أن يحظى به شاعر سوداني. كان صديق مدثر منذ المرحلة الوسطى يحفظ القصائد والأناشيد باللغتين العربية والإنجليزية، في المرحلة الثانوية نضجت تجربته في كتابة الشعر، حيث ترعرعت زهرة موهبته في بستان عدد من معلّميه النجوم في عالم الأدب والثقافة من رعاة الطلاب في الجمعيات الأدبية، كذلك ترعرعت موهبة صديق مدثر الشعرية على يد والده الذي تخرَّج في «الأزهر» وكان يحثّه على قراءة كتاب الخليل بن أحمد في العروض وأوزان الشعر. هكذا علمّه والده السباحة في بحار الشعر الستة عشر. وعمل الراحل في وزارة التربية والتعليم في كلِّ المراحل حتى المعاش الاختياري في 1983م . وهاجر إلى المملكة العربية السعودية وعمل مترجماً في أكثر من شركة، وهو عضو مؤسس لاتحاد أدباء السودان وسكرتير شؤون الطلبة في المعهد الفني إبان ثورة أكتوبر وعضو لجنة النصوص والألحان في الستينيات. وعمل الشاعر الكبير أميناً للفكر والدعوة بأمانة الاتحاد الاشتراكي في عهد مايو ومدير مكتب الإعلام في وزارة التربية والتعليم في السبعينيات. تغنى بقصائد الراحل صديق مدثر العديد من عمالقة الفن السوداني بعد أن غنىَّ الفنان أحمد المصطفى «فتاة الوطن» من كلماته ،اصطفَّ عمالقة الفنانين ليغنوا من كلماته، حيث غنىَّ أمير العود الفنان حسن عطية من كلمات صديق مدثر «محبوبي يا هاجر كيف يحلو ليك هجري». وغنى عبد الكريم الكابلي من كلمات صديق مدثر إحدى روائع الغناء السوداني وهي أغنية «ضنين الوعد». وغنىّ له الإمبراطور محمد وردي «لحبيب العائد»، وغنى له أيضا محمد ميرغني بصوته الشجي «يا سبأ». كما قدّم الراحل عدداً من البرامج بإذاعة أمدرمان، وشارك في العديد من البرامج التلفزيونية مقدِّماً وضيفاً رئيساً، كما مثل السودان في أكثر من ملتقى أدبي وثقافي في العديد من الدول. يملك ديوانين شعريين، الأول وهج المشاعر والثاني باسم الوهج الثاني «تحت الطبع»، وله كتاب عن ثورة يوليو 1971 «ثورة هاشم العطا» وهو تحت الطبع أيضاً. وترجم الفقيد العديد من الأعمال الشعرية من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية.