تواجه شريحة الصم صعوبات كبيرة في حياتها جعلتها تعيش شبه معزولة في تجمعات خاصة بأفرادها وتتسم بالترابط شبه الأسري فيما بينها بعد أن استشعروا رفض المجتمع التعامل معهم ولا سيما الجهات الرسمية فتجدهم دائماً ساخطين على السلطات التي يوجهون إليها الاتهامات بحرمانهم من حقوقهم التي يجب أن يتمتعوا بها بوصفهم مواطنين بداية من المساعدات التي تقدمها الدولة لذوي الاحتياجات الخاصة مثل حق التعليم والعمل الذي يضمن لهم حياة كريمة، فكثيرٌ منهم عاطلون عن العمل بالرغم من أن لهم أسرًا يكفلونها وهذا ما جعلهم يعيشون في تجمعات مقفولة لهم يتبادلون الحديث بلغة الإشارة بود وحميمية كلٌّ يحمي الآخر ويساعده ويقف معه في تجرد ونكران ذات.. إليكم هذه المحطة الأولى من هذا التحقيق عن إشكالاتهم المسكوت عليها... تجمع صامت بشارع علي عبد اللطيف وتحت شجرة كبيرة ظليلة تجلس مجموعة كبيرة من النساء والرجال في أعمار مختلفة يلتفون حول «ست» الشاي شابة في مقتبل العمر.. اقتربت منهم وبالرغم من كبر عددهم إلا أنني لم أسمع اي صوت فكل الموجودين من الصم بمن فيهم «ست» الشاي يتبادلون الحديث بلغة الإشارة يجلسون في مجموعات صغيرة متفرقة.. هناك من يتبادلون الابتسامات وآخرون ترى تعابير وجههم توحي لك بأنهم يتناقشون في أمور ذات أهمية.. جلست إليهم وكان من بينهم رجل يبدو أنه صديق لهذه المجموعة من الصم فأفادني في الحوار معهم وعلى التعرف عليهم عن قرب وساعدني كثيراً في إقناع واحد منهم ليتحدث معي إنابة عن المجموعة فكان محدثي الشاب وليد عيسى حريقص، فترجم الرجل له أسئلتي وكان يجيب بالإشارة فيحدثني عن إفاداته حيث قال وليد: هذا هو الحال نحن مجموعة كبيرة جداً يتراوح عددها ما بين (75 100) شخص أصم تجتمع في هذا المكان بصورة يومية حول هذه الشابة ست الشاي نتعرف على أحوال بعضنا ونتجاذب أطراف الحديث ونقضي وقتًا جميلاً تحت هذه الشجرة وننسى همومنا هنا وأنا أعمل في بيع أدوات الكهرباء الصغيرة وأقوم بصرف بضاعتي بفرشها تحت هذه الشجرة على الأرض وأحياناً أضعها في «تربيزة» ومعي مجموعة كبيرة نعمل جميعنا في هذا الشارع وفي موقف الإستاد وهناك مجموعة أخرى تفرش نفس البضاعة بالقرب من مول الواحة فنحن لا نمتلك أماكن مخصصة لنبيع فيها. المحلية تتحجَّج بالطبع نحن عرضة «لكشات» المحلية، والمحلية لديها أكشاك صغيرة تقوم بتأجيرها بواقع عشرين جنيهًا في اليوم أي «600» جنيه للشهر وطالبنا المحلية بأن تمنحنا أكشاكًا بواقع نصف القيمة ولكن المحلية رفضت ذلك رفضًا باتًا بحجة أن الصم لا يدفعون، وقالوا لنا إنكم «مستنكحين ساي» ونحن لم نطالب بأن تمنحنا لها مجاناً ولكن بنصف القيمة مراعاة لظروف إعاقتنا خاصة أن معظمنا يعول أسرًا ويكفل أطفالاً يحتاجون لكل شيء من تعليم وكسوة وعلاج وأكل وشرب، وشريحة المعاقين لها وضعيتها في كل أنحاء العالم ما عدا السودان لماذا لا ندري؟.. اتحادنا لم يقدِّم لنا شيئًا ولا يحس بنا وكذلك الدولة، فنحن أصبحنا كالمنبوذين عن المجتمع، فمن لنا؟ وأنا على المستوى الشخصي ذهبت للمعتمد وأخيراً وافق على أن أفرش بضاعتي على تربيزة في هذا الشارع وأن لا يتعرض لي أفراد المحلية، أي إعفائي من الرسوم، ولكن هذا حدث معي أنا فقط ولكن زملائي يعانون معاناة كبيرة ولهم أطفال ينتظرون منهم لقمة العيش والكساء والدواء.. ترابط وتكاتف «ست الشاي» رفضت ذكر اسمها، هي صماء، قالت: أنا أعمل هنا منذ فترة طويلة، معظم أو كل زبائني هم الصم «العندو والماعندو» يشرب شاي، فأنا أستمع لكل شكاواهم ومشكلاتهم ونحن متكاتفون نقتسم اللقمة والقرش فيما بيننا ولا نحتمل أن يُضايَق واحدٌ منا فكلنا يدٌ واحدة ضد من يفكر أن يصيب واحدًا منا بأذى. فأنا هنا بمثابة الأم للجميع فهم يتجمعون حولي ونتفاكر ونتبادل الآراء حول مشكلاتنا التي تقابلنا في تجمع أشبه بالإدارة الأهلية.. حوارات مصورة مجموعة أخرى تحتل زقاقًا يتفرع من شارع علي عبد اللطيف، هذه المجموعة مكونة تقريباً من «30» أصم أيضًا نجلس حول امرأتين من الصم تعملان في بيع الشاي.. أيضًا هذه المجموعة تختلف من سابقتها بأن أفرادها لا يعملون في أي شيء بل يجلسون وهم يحملون أجهزة تلفونات متطورة مزوَّدة بكاميرات الفيديو يتبادلون الرسائل فيما بينهم، وهذه الرسائل تحمل حوارات مصورة بالإشارة. مجتمع قائم بذاته والتقيت بالقرب من هذه المجموعة بالشاب «منذر» وهو يعمل في صيانة الموبايلات فقال إنه يتعامل معهم بصورة يومية وهم يشكلون الغالبية العظمى من زبائنه لأنهم جميعاً يحملون تلفونات متطورة ذات قيمة كبيرة وتعمل بتقنية عالية يستخدمونها في التواصل فيما بينهم، وقال منذر إنهم متكاتفون لدرجة أنهم يمكن أن يضربوا الشخص الذي يتعرض لأي أصم حتى ولو كان عابر طريق ولا ينتمي لمجموعتهم، فهم متعنصرون لكل أفراد هذه الشريحة، وقال إن هذه المجموعة تتكون من أعمار مختلفة ولديهم رجل كبير يحل ويفض نزاعاتهم ويحتكمون إليه، فهم مجتمع قائم بذاته له قواعده وضوابطه.. ومن ملاحظات منذر أن بعضهم ليس لديه أي عمل ولكنه يحمل تلفونًا ذا قيمة عالية، ورجح أن بعضهم يعمل في النشل في وسط السوق العربي والأصم يمكن أن يشتري تلفونًا بكل راتبه. ثانوية الصم بالعمارات وجدنا أول مدرسة ثانوية للصم حيث أنشأت الجمعية القومية السودانية لرعاية الصم أول مدرسة لتعليم الصم للمرحلة الثانوية بنين وبنات.. هذه المدرسة تضم «90» من الطلاب والطالبات، والملاحظ أن عدد الطالبات أكبر من الطلاب ويحرزن على الدوام نتائج أفضل، والتقيت هناك بالأستاذة (زينب) وهي معلمة لغة إنجليزية قالت: أعمل متعاونة ولم يتم تعييني من وزارة التربية والتعليم حتى الآن بالرغم من أنني حاصلة على درجة الدكتوراه في التربية الخاصة، وأنا دخلت عددًا كبيرًا من المعاينات لإكمال تعييني بصورة رسمية لكني لم أُوفق، وعلى ما أعتقد أن السبب في ذلك إعاقتي السمعية، وبالرغم من ذلك واصلت عطائي للصم فأنا أجيد لغة الإشارة وأقوم بتدريس اللغة الإنجليزية لهم وأساعد الطالبات الصم في الاشتراك في الدورات التدريبية وكذلك لي مساهمات في بعض التدريبات على ماكينات الحياكة وغيرها ولا أدري لماذا تتعامل الوزارة مع هذه الشريحة بهذه الطريقة التعسفية.. فصل محو الأمية بالأملاك في مدينة بحري كانت لنا وقفة في فصول محو الأمية للصم حيث تحدثت لنا عن طريق الكتابة الأستاذة نازك حيدر محمد صالح وقالت إنها تعمل في تدريس محو الأمية للصم ولديها «16» دارسًا و«15» دارسة وأعمارهم فوق «18» عامًا وقالت إنها لم تخرِّج أي دفعة حتى الآن لصعوبة المنهج لأنه يعتمد على حاسة السمع بصورة كبيرة وتعديله لحاسة البصر يحتاج لجهد جبار ووقت طويل، وكثير من الصعوبات تقابلنا أولها بُعد مكان الدراسة عن سكن الطلاب أو الدارسين وعدم وجود أي دعم ما عدا اتحاد الصم.. والمنهج الآن معدَّل بجهد شخص ليناسب الدارسين من الصم، ونحن الآن في طور تجريبي للمنهج المعدل وسوف ننقل التجربة للولايات وكل الدعم الذي تلقيناه من الاتحاد توفير القاعة بمبنى الاتحاد والإجلاس وكذلك يسعى الاتحاد إلى تدريب الدارسين على مناسك الحج بالمجسمات بالتعاون مع هيئة الحج والعمرة.