الشاب عبدالحكيم عبدالله أو (حكيم) كما يُسمي نفسه يقوم بتجربة نادرة وفريدة لم يسبقه إليها أحد. (حكيم) خرّيج تجارة جامعة النيلين، ويعد لرسالة الماجستير عن التجارة الإلكترونية. يقوم (حكيم) منذ عدة أشهر بالمرور على (ستّات الشاي) من الأُميات في أماكن عملهن لتعليمهن القراءة والكتابة. وجدناه صدفة ذات صباح، وهو يجلس إلى إحدى بائعات الشاي من كبار السن وهي تحمل كراسة وقلم رصاص وهو يراجع معها. جلسنا إليه ونحن (نظن) أنه ربما يكون يتبع لإدارة محو الأمية وتعليم الكبار الذين ربما ابتدعوا طريقة جديدة لإنجاز عملهم، فسألناه عمن هو! فأجاب بأنه خريج جامعي لم يجد عملاً ويحاول الاستفادة من وقته بتعليم بائعات الشاي القراءة والكتابة لمساعدتهن لتسهيل المعاملات الرسمية، طلبنا من الخالة (جردة موسى حماد) أن تُرينا ما تكتبه، ففعلت وأكدت أن (حكيم) الذي هو بمثابة ابنها يمر عليها يومياً ويجلس إلى جانبها على (البنبر) لمدة ساعتين يومياً وتتوقف (الحصة) بمجرد وصول الزبائن ثم يعاود ثانية، وهو يرفض تناول الشاي ويقبل أحياناً بالإفطار الذي تحضره معها من المنزل والمكوَّن غالباً من أصناف محلية. يقول حكيم: بدأت عملي بواحدة، وارتفع العدد إلى (8) بائعات شاي حتى الآن، أتجوّل عليهن في أماكن عملهن تحت ظلال الأشجار والمباني. ويرى أنهن لسن بحاجة إلى فصول لمحو الأمية لأنهن يقضين معظم اليوم في الشارع العام. الطريف أن حكيم العاطل عن العمل يأخذ مصروفه من ناس (البيت) ويحضر من الدروشاب يومياً فقط ليُعطي الحصص لهؤلاء النسوة ليأخذ مقابلها كما يقول احترامهن له. ويقول: أكلت معهن لأول مرة ملاح (الكمبو) وتعلّمت منهن موروثهن الشعبي المحلي من القصص والأطعمة، أما الخالة (جردة) فتقول: أرغب في تعلُّم القراءة لأستطيع قراءة شهادات أبنائي الدراسية ومنهم من وصل للمرحلة الجامعية، فبنتي الكبرى تدرس بالجامعة ولكنها لا تجد وقت لتعليمي مثل ما تعلمته الآن. وبدورنا نتساءل متى وأين تمارس إدارة تعليم الكبار ومحو الأمية بوزارة التربية والتعليم العام دورها إذا كانت الشريحة المستهدفة من مستوري الحال تقضي معظم وقتها في الطرقات بحثاً عن لقمة العيش؟!