الحمد لله الذي أحياني وأمدّ في عمري إلى العام 2012م وأنا أشهد فصول أغرب مأساة في التاريخ. جئت ذات يوم إلى الجدار الغربي لسباق الخيل ووجدت مجموعة من الخراف وقد تركها ذووها في ذلك المكان الذي خصص للخراف المسنة. بعضها بالكاد يحرك رجليه، وبعضها برز الفك الأسفل منه بروزاً ظاهراً وهو يلوك شيئاً غامضاً لم أتبينه. وأغلب الظن أنه لا يلوك شيئاً ولكن يخيّل إليه أن في فمه شيئاً يستدعي «اللوكان» كما يفعل العجائز من البشر. وبعضها غارت عيناه وتردى إلى أرذل العمر فعاد لا يعلم شيئاً. وبعضها مصاب بسلس البول لأنه يبول بولاً مستداماً بعد أن فعل فيه مرض السكري ما فعل. وبعضها مصاب بالشلل الرعاش فأصبح مثل الموبايل المبرمج كهزاز. وأغرب الخرفان خروف وجدته «يعوعي» مثل الديك وعندما سألتُ عنه أُخبرت أنه أصيب بالزهايمر المتأخر فظن أنه ديك.. وصار يجري خلف الدجاجات ويعوعي ولكن الدجاجات أسرع منه فلا يلحق بهن.. ومنذ زمن بعيد هو على هذه الحال. وفي ركن قصيٍّ بعيد عن زمرة الخرفان كان هناك خروف مطرفاً كان يهذي ويقول: - الشي شنو؟... إتو يا ناس السكاكين دي اتعدمت؟ الحاصل شنو؟ فاقتربت ناحيته لأستوضح منه الأمر فوجدته يشكو لطوب أرض ميدان سبق الخيل قائلاً: - أنا جدودي وجدود جدودي من زمن السلطنة الزرقاء كانوا بضبحوهم.. أصلو ما شفنا خروف مات بمرض الشيخوخة إلا الأيام دي.. والآن أموت كما يموت البعير. وفي هذا الأثناء كانت هناك امرأة تستمع لهذا الحوار باهتمام بالغ فصاحت: - إنت يا خوي تبرى وتستبرى من ميتة البعير.. لكين يا ودالحلال نقول شنو؟.. حليل الرجال البسنوا السكاكين.. والبضبحوا.. ديل ما خلاص.. زمانهم فات وغنايهم مات.. ونقلت هذه الوقائع لصديقي البروفيسور عبدالرحيم السيد كرار «بروف برعي» فشرح لي الموضوع وأفهمني أن أمة الخرفان تعاني من مشكلات الشيخوخة لأن الأسعار ارتفعت ارتفاعاً جنونياً عام 2012م ولم يعد في مقدور عامة الشعب أن يشتروا أضاحيهم ومنذ ذلك الوقت تقدم العمر بالخرفان وأصيبت بكل أمراض الشيخوخة من وجع في المفاصل وتصلُّب في الشرايين والموية البيضاء أو الكتراكت. وأسوأ ما في الأمر أن الخرفان التي تزاوجت في ذلك العمر المتأخر أنجبت خرفاناًَ. ذات عيون مشطحة وألسنة غليظة وحتى لو نزلت أسعار الخراف فإن تلك الخراف حسب رأي الفقهاء لا تصلح. إذ أنه لا يجوز ذبح الشاة العرجاء التي بان عرجها، ولا الشوهاء التي بان شوهها.. ولا العجفاء التي بان عجفها ولا مقطوعة الأذن من أدنى الثلث الأسفل أو أكثر. وأضاف لها العلماء ولا يجوز ذبح الخراف التي تشطحت عيونها وأصبحت غلظة ألسنتها ظاهرة للعيان لا مراء فيها. أما صديقي الشاعر شمس الدين حسن الخليفة فقد كتب قصيدة يقول فيها: عدت يا عيدي بدون خروف عاكستني وأبت الظروف آلمتني **** أحرجتني أمام العيال وإحنا في العيد صار حالنا حال الكريم الحي ذو الجلال يشفي من الداء العضال **** طارت الأسعار دون سبب والمواطن عقلو انشطب واقدة فيهو النار أم لهب والتجار يرمولا الحطب **** طارت الأسعار بي هنا وفي المقابل هبط الغنا التجار زايدين في الهنا وإحنا زايدين في البشتنة **** صاحب الماهيّة الرهيف قدّ جيبو السوق المخيف المعاش أهلو يعيشوا كيف ؟ والمعاش ما بجيب الرغيف **** الصغير في البيت اتقهم والأبو الأعياهو الفهم كيف يمر العيد دون لحم؟ جعنا نحن أصابنا الجحم **** يا الخروف قالوا حيوزنوك الله يستر ما «يجوغروك» الحيضبح دا من الملوك ليتو يسخا يقول لينا عوك **** دارنا أرض الخير والزرع واليقين والجود والضرع ليها حتى الطير جا وشبع هسّة فيها البلا مجتمع **** العقول الساكنة الرؤوس إمتى يا أخوانّا تعي الدروس؟ أصحوا غيّروا ما في النفوس شان يزول الحال العبوس **** يا البشير جيناك آملين نحن والأطفال والعوين أمّتك نحن المعدمين ضحّي عنّ الناس أجمعين