وهكذا تتوالى علينا الفواجع، وهل أكبر من فاجعة رحيل شطر من العلم برحيل أحد أفذاذه وفطاحلته.. الرجل الأمة والعالم النحرير وخادم القرآن الكريم الشيخ أحمد علي الإمام؟ لقد عاش الشيخ أحمد للقرآن وبالقرآن الذي نذر له حياته، وهل أدل على ذلك من سِفْرِه العظيم في تفسير القرآن الكريم (مفاتح فهم القرآن) الذي انكبّ الشيخ أحمد لأكثر من «51» عاماً في مدارسته وتفسيره إلى أن خرج على الناس بذلك الكتاب العظيم الذي لو لم يفعل الشيخ شيئاً في حياته غيره لكفاه، فياله من كتاب ويا له من تفسير أستحي أن أقول إنه (يُقيم) بجانب سريري أتفيأ ظلاله بين الفينة والأخرى وأتمعَّن لطائفه كلَّما غادر الشيطان اهتماماتي وانصرف عني إلى غيري، وما من خدمة تُسدى للرجل القرآني الشيخ أحمد أكبر من أن يُطبع الكتاب ويُباع بسعر الكلفة، هذا إذا لم يجد من المحسنين من يطبعه على نفقته صدقة جارية وعلمًا يُنتفع به لعالمنا الكبير. إن وجود أمثال الشيخ أحمد تُستمطر بهم الرحمات واللطف الإلهي على البلاد والعباد، لذلك فإن رحيل أمثاله يُخيف، فأعمال ودعوات الصالحين تقي البلاد من العذاب، وكذلك فإن بقاء أئمة الكفر يستنزل اللعنات وإنا والله لا نقول إلا ما يُرضي ربَّنا إذ يبتلينا بذهاب الشيخ أحمد وببقاء عرمان وباقان وغيرهما من شياطين الإنس فنحن مذعنون لمشيئته سبحانه وتعالى صابرون على ابتلاءاته راضون بحكمه طامعون في رحمته مصمِّمون على نصرته منافحون عن دينه مقاتلون لأعدائه حتى نلقى الله وهو عنا راضٍ إن شاء الله. من أسفٍ فإن ما أحزنني أن ما ذكرتُه عقب وفاة الحبيب فتحي خليل لم يجد صدىً فلا تزال المآقي جافة من الدمع إلا من نفرٍ قليل من الجموع الهادرة التي خرجت في وداعه كان يبكي حول جثمان الشيخ أحمد وهو يُوارَى الثرى ولستُ أدري ماذا دهانا?! أين الأخوة وأين تلك الحميمية التي كانت ديدن الإخوان في الأيام الخالية؟! هل بتنا نعتبر انهمار الدموع عيباً وقد كانت دموع أصحاب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهم أسود القتال تنهمر انهماراً بلا حرج وكيف يتحرج المؤمنون من الدموع والله تعالى يحضُّهم على ذلك ويجعل البكاء بين يدي آي القرآن إحدى خصال أهل العلم (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) الإسراء.. (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) مريم.. وهلاّ انتصحنا بنصيحة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى ولو بالتباكي إذا جفّت المآقي (إذا لم تبكُوا فتباكَوا) وذلك ترقيقاً للقلوب فالدموع من الرحمة فلعلَّ الله ببكائنا وتباكينا يرحم شيخنا ويُنزله في المقام الذي أفنى عمره كدحاً لبلوغه... ابكُوا أيها الناس بالدموع على من يستحقون فإن لم تبكُوا فتباكَوا. لم أكتب عن مؤهِّلات وخبرات الشيخ أحمد علي الإمام وسيرته ولا عن كتبه الأخرى ولا عن خُلُقه فذلك ربما يحتاج إلى كتب. ألا رحم الله شيخنا العالم الرباني أحمد علي الإمام وأنزله الفردوس الأعلى مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا!! ولا عزاء لدعاة الحريات الأربعين!! صحيفة (يديعوت أحرونوت) أكبر الصحف الإسرائيلية وأكثرها انتشاراً أكدت أن جنوب السودان هو من أعطى معلومات لإسرائيل بواسطة عملاء في جنوب السودان دخلوا إلى المصنع كعمال وأعطوا المعلومات لدولة الكيان الصهيوني التي أمطرت مصنع اليرموك بغارة من أربع طائرات إف 61!! بالله عليكم من هو (الدرويش) الذي سمح لعمال جنوبيين بدخول المصنع وهو يعلم الخطر الذي يشكله هؤلاء على الأمن القومي؟! إذا كان ذلك يحدث في مصنع للأسلحة فكيف بغيره من المؤسسات غير العسكرية؟! طيِّب إيه رأيكم فقد والله رأيتُ بعيني رأسي عمال نظافة آسيويين داخل بعض مؤسساتنا ومبانينا العسكرية؟! هل تذكرون ذلك الاحتفال الصاخب في أكاديمية الشرطة السودانية (الشمالية) الذي أقامه طلاب الحركة والجيش الشعبي الذين كانوا يُدرَّبون في تلك الأكاديمية على حسابنا بعد الانفصال حتى يرجعوا إلى بلادهم ليشاركوا في شن الحرب علينا؟! طلاب الجنوب العسكريون الذين كانوا يُدرَّبون في أكاديمية الشرطة احتفلوا بمناسبة احتلال بلادهم لهجليج (تخيلوا).. لم يحتفلوا سراً داخل غرفهم حتى لا نراهم إنما احتفلوا في العراء أمام زملائهم الشماليين في قلب الخرطوم!! لم يسأل أحد كيف سُمح لهؤلاء أن يُدرَّبوا بالرغم من أن بلادهم تشنُّ الحرب على بلادنا وتحتل أرضنا.. بالطبع لم يُجرَ تحقيق كما لم يُجرَ تحقيق ولن يجرى حول كيف ومن الذي سمح بتوظيف عمالة جنوبية في مصنع اليرموك؟! لكن هل حُوسب أحد على جلايط نيفاشا أو على غيرها أم ظل من فاوضوا من العباقرة ووقَّعوا مفاوضين دائمين إلى يوم يُبعثون؟! تخيلوا أن ذلك الاختراق وتلك (الدروشة) تحدث في دولة نالت استقلالها قبل أكثر من نصف قرن من الزمان فهل تتوقعون أن يحدث ذلك في دولة جنوب السودان التي لم يتجاوز عمرها عاماً واحداً؟! يعني هل يمكن أن يُعيَّن سوداني (مندكورو) في مصنع للسلاح في جنوب السودان حتى ولو كان الشمالي لا يحمل ذلك الحقد الذي تمتلئ به نفوس الطلاب الحربيين الجنوبيين في كلية الشرطة السودانية أو العمال الجنوبيين في مصنع اليرموك؟! ماذا أقول غير مافي فايدة؟! بلاد تمنح الحريات الأربع لمن يدمِّرون مصنع اليرموك ويتمنى مفاوضوها أن تكون أربعين حرية وليس أربعًا فقط!! إنها بلاد تحتاج إلى الكثير لكي تصبح دولة راشدة ولا أقول ناهضة!!. --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.