على بُعد خطوات قليلة جدًا من مباني المجلس القومي للصحافة والمطبوعات وتحديدًا جنوب غرب المجلس وبشكلٍ أكثر دقة جنوب البنك المركزي فرع الخرطوم يقع مبنى أنيق مكوّن من عشرة طوابق تقريباً شارف على الانتهاء وهو خاص بمستشارية الأمن القومي التي تشكّلت بقرار رئاسي وتم إسناد أمرها إلى مستشار رئيس الجمهورية الأسبق المهندس صلاح عبد الله الملقب ب « قوش» الذي تم إعفاؤه من منصبه بطريقة دراماتيكية حيث لم تكن مسبِّبات الإعفاء وليدة الأحداث التي دعت الرئيس لاتخاذ تلك الخطوة سبقها قبل فترة إعفاء صلاح نفسه من رئاسة جهاز الأمن الوطني والمخابرات فبات خارج دائرة الفعل السياسي سواء في الحكومة أو داخل حزبه المؤتمر الوطني بعد تجريده كذلك من مهمته في إدارة أمانة العاملين بالوطني.. فهل يمكن أن يعود قوش إلى الأضواء مرة أخرى عبر أي واجهة حتى ولو كان المنصب الوزاري؟؟. كثيرون جدًا خرجوا من الوزارة إلى المعارضة بل إلى المعارضة السافرة التي وصلت نواياها إلى مرحلة إطاحة النظام عادوا بتدرج سريع إلى الحكومة بل في أرفع المناصب مثل نائب رئيس الجمهورية د. الحاج آدم يوسف الذي عاد إلى صفوف الوطني قبل أقل من عام بقليل ليُعيّن الأسبوع الفائت في منصب الرجل الثالث في الدولة ومثله كثيرون مثل قيادات من الشعبي مثل البرلماني محمد الحسن الأمين والوزير عيسى بشرى بل حتى وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين عندما استقال من منصبه عندما كان وزير الداخلية، اعتبرت استقالته استراحة محارب عاد بعدها إلى الحكومة وزيرًا للدفاع.. فضلاًَ أن حَمَلَة السلاح في وجه الحكومة على رأسهم الراحل الجنوبي جون قرنق دخل القصر الجمهوري في منصب النائب الأول وخلفه في ذات المنصب الرجل الثاني في الحركة سلفا كير ميارديت. لكن قد تبدو حالة قوش مغايرة تمامًا للحالات المذكورة وغيرها من الحالات التي لم يرد ذكرها إذ أن إعفاءه عن منصبه الأول «مدير جهاز الأمن» لا يزال يكتنفه الغموض!! ولم يتم الكشف الحقيقي عن دواعي إطاحة الرجل الذي خدم الإنقاذ لنحو عقد من الزمان في منصبه مديرًا للجهاز بخلاف عمله السابق عندما كان ضابطًا بالجهاز. لكن المؤكد أن إبعاده له دواعٍ داخل الجهاز نفسه فهناك ضباط أقوياء في الجهاز من الممكن جدًا أن تكون رؤاهم تقاطعت مع أفكار قوش أو تباينت بشأن طريقة إدارته المؤسسة الأمنية.. قوة نفوذ الرجال الذين كانوا حول قوش تعود لسببين أحدهما قريب جدًا من الدائرة الضيّقة لصناعة القرار مثل الفريق طه عثمان واللواء الهادي.. الأول مدير مكتب الرئيس والثاني مدير مكتب مساعد الرئيس د. نافع علي نافع بينما قوة نفوذ ضباط آخرين بحكم الملفات المهمة التي يديرونها داخل الجهاز مثل المهندس محمد عطا الذي حل محل قوش عقب إعفائه وكذلك عبد الغفار الشريف، هذه مجموعة يبدو عليها الآن التناغم مما يعني أنها من الممكن جدًا أن تشكل مجموعة ضغط في عدم عودة قوش للوزارة مثلاً أو حتى لمنصب والي النيل الأزرق بحسب ما ورد في الزميلة الغرّاء «السوداني» حيث استعصى علينا تأكيد هذه المعلومة أو لعلها بعيدة عن الصحة. بينما من الممكن جدًا أن تكون إدارة قوش لملفات خارج الحدود جعلت القيادة السياسية تُبدي ملاحظات على إدارته لتلك الملفات التي من الممكن جدًا أن تكون تمّت دون علم القصر مما أدى لإبعاده فتراكمت هذه المسائل وسنحت فرصة إعفائه حتى من مستشارية الأمن التي يرى كثير من المراقبين العسكريين والأمنيين أن قوش ضخّم من شأنها وأنه لا أساس لوجودها بهكذا شكل. والملاحظ في مسيرة قوش أنه تم إعفاؤه في فترة وجيزة من منصبين رفيعين في الحكومة وهو أمر مدعاة للدهشة ويُضعف كثيرًا من حظوظه في الوجود مرة أخرى تحت دائرة الضوء، إذ لا تزال تداعيات إقالته ماثلة حتى الآن على الأقل من خلال تقصي الصحافة وتتبعها لتحركات الرجل التي انحسرت كثيرًا في الآونة الأخيرة، ولعله لا يُلحظ أي نشاط له سوى قيامه بتدريبات رياضية في حوض السباحة الملحق بالنادي الوطني المملوك لجهاز الأمن وانتظامه بشكل كبير في جلسات المجلس الوطني نيابة عن أهله في دائرة مروي، كما أن الأمر المحيِّر أيضًا فيما يلي صلاح إعفاؤه كذلك من أمانة العاملين بالوطني والتي هي قريبة من تركيبة الرجل الأمنية من خلال متابعتها للأمانات وأجسام وأذرع المؤسسات النقابية فضلاً عن اضطلاعها بتسمية الشخصيات للمناصب الرفيعة وإن لم يكن هذا الأمر مطبقًا بشكل دقيق إعفاء الرجل حتى من منصب حزبي يكاد يكون حالة نادرة جدًا ولم يسبق أن تطابقت على مسؤول بهكذا صورة.. ومهما يكن من أمرٍ فإن كل هذه المسائل علاوة على ما لم يظهر على السطح قد تصعِّب من مهمة الرجل في نيل ثقة الرئيس على الأقل في الفترة الراهنة.