٭ دعونا نتواضع قليلاً.. ونُنْحي جانباً أدبيات الحرب العالمية الثانية.. وما يرشح في إعلامنا من أغنيات الحماسة وإيقاع التُم تُم من قبيل «النار ولَّعت بي كفِّي بَطْفيها» .. «وبجو عايدين الفتحو كرن باينين» فالقيم العالية المتمثلة في النخوة والكرم والشجاعة والإيثار والتضحية ستظل مركوزة بإذن الله في نفوس أبناء شعبنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ولن تنمحي مآثر أجدادنا وآبائنا وجيلنا والأجيال اللاحقة من صفحات تاريخ الوطنية والنضال ضد المستعمِر والجهاد ذوداً عن حياض الشريعة وحماية بيضة الدين وصيانة تراب الوطن من أن تدنسها أقدام المغول المستحدثين.. ولكن!!! قد تغيرت الوسائل والوسائط وإن بقيت الأهداف كما هي. استهداف لعقيدتنا.. وتفتيت لوحدتنا.. وكسر لإرادتنا.. واستلاب لثقافتنا.. وتدمير لشبابنا.. ونهب لثرواتنا.. وتحجيم لاقتصادنا.. وانتقاص لأدوارنا.. واستهانة بسيادتنا على أرضنا.. بمختلف السبل الظاهرة أو المستترة ومن مختلف الدول البعيدة والقريبة.. والمنظمات التي تتسربل بلباس الإنسانية أو تتبرقع بلثام الديمقراطية.. أو تتوارى خلف القوانين الدولية. فإذا ما وقع علينا اعتداء لا نجد من أشقائنا وأصدقائنا إلا عبارات الإدانة والشجب والاستنكار.. هذا إن وُجدت.. ثم نتجرع الداء ونزعم أنه الدواء.. باللجوء للمنظمة الدولية لتستخلص لنا حقوقنا!! ولات حين مناص.. ٭ لو كنت المسؤول.. لما ترددت لحظة في إعلان تفاصيل الضربة الجوية أو الصاروخية التي استهدفت مجمع اليرموك وتركته أثراً بعد عين.. ولوجهت الاتهام إلى دولة إسرائيل.. أو دويلة العدو الصهيوني!! ولأعلنتُ وعلى رؤوس الأشهاد أن بلادنا تدفع ثمن مواقفها المبدئية نصرة لقضية العرب المركزية قضية فلسطين.. وأن هذا العدوان لن يثنينا عن مبادئنا في إعادة فلسطين السليبة لأهلها وتحرير المسجد الأقصى من دنس الصهاينة وإعلان القدس عاصمة لدولة فلسطين وكفالة حق العودة لفلسطين الشتات وإزالة البؤر الاستيطانية السرطانية من الأرض العربية.. وتعويض شعب فلسطين عن كل الأضرار التي لحقت بهم وبأرضهم وأشجارهم ومقدراتهم طوال فترة الاحتلال. وتأكيد أن إسرائيل هي صاحبة الذراع الطويلة التي استمرأت العدوان على بلادنا وغيرها من بلدان العالم العربي. إذن لخرجت جماهير شعبنا مؤيدة لقيادتها.. معادية لإسرائيل والتي تربى شعبنا على أنها عدونا الأول إن لم يكن الأوحد في العالم.. بدلاً من الإعلانات الفطيرة ومحاولة تغطية الوجه بالأصبع والحيرة التي دامت يوماً كاملاً قبل أن ينطق ناطقنا الرسمي ببيانه المرتبك والمربك في الوقت ذاته حتى انصرف أبناء المنطقة المحيطة بمسرح الحادث إلى مطالبة الحكومة بتفكيك المواقع العسكرية ونقلها من جوارهم فأصبحت القضية قضية داخلية ضيقة وكأن لو كان مجمع اليرموك في قلب صحراء العتمور وقصفته إسرائيل فلا مشكلة ما دام بعيداً عن التجمعات السكانية!!!! ٭ وما دمنا لا نستطيع اكتشاف الطائرات التي تنتهك حرمة أجوائنا.. بل ولا نستطيع التعامل معها بعد اكتشافها «فقد أعلنت الطائرات الإسرائيلية عن نفسها بقصفها لأهدافها فوق العاصمة الخرطوم!! وعادت لقواعدها سالمة غانمة مظللة بأكاليل الغار والفخار «دون أن تعتِّر لها قشة» بل واعتمدت السلطات الرسمية عندنا على شهادة شهود العيان!!! لا رادارات.. ولا كاميرات.. ولا حطام طائرة اسقطتها مضاداتنا الأرضية!! بالمناسبة لدينا هيئة أركان للقوات الجوية تضم الطيران والدفاع الجوي لذا لزم التنويه. فما دام ذلك كذلك فبإمكان إسرائيل أن تقصف أهدافاً حيوية أخرى كالسدود والجسور وأبراج القيادة وحتى القصر الجمهوري فالأمر لا يحتاج إلا لبضع طائرات تمتلك إسرائيل منها المئات لتعربد في أجوائنا «على كيفها» وتدمر أهدافها بكبسة زر ثم يرفع الطيار الإسرائيلي التمام لقادته في تل أبيب»!! وتقوم الكاميرات المثبتة على الطائرة بتصوير مشهد الدمار وألسنة النيران لتراه غرفة العمليات عندهم لحظة وقوعه ونسمع به ثالث يوم!! ثم يصبح ضرب أهداف في السودان مهمة ممتعة يتنافس الطيارون الصهاينة في تنفيذها هذه هي الحقيقة المُرة. ٭ «نحن نحتفظ بحق الرد» حسناً لكن كيف؟؟ لن يكون بإمكاننا الرد على إسرائيل إلا باستضافة قواعد عسكرية أجنبية فوق سواحلنا الطويلة تقيم المطارات الحربية والموانئ وبطاريات الصواريخ مع إجراء المناورات المشتركة ودعم قدراتنا الدفاعية. فما من دولة تحارب عدواً خارجياً اعتماداً على خزانتها فحتى أمريكا تستحلب من ضروع الدول التي تدَّعي حمايتها «وهي في حقيقة أمرها إنما تحمي مصالحها وأمنها القومي».. تحلب منها مليارات الدولارات سنوياً.. فإذا ما تفهمت الدول العربية عامة والخليجية خاصة حساسية موقفنا فلن يكون للوجود العسكري الإيراني في السواحل والأراضي السودانية أي تهديد لأمن تلك الدول.. فالعداء على أشدّه بين إيران وإسرائيل ولعل قصف اليرموك في الخرطوم هو «البروفة» شبه النهائية لضرب المفاعلات النووية الإيرانية.. واختبار لقدرات إسرائيل في تنفيذ مهام مماثلة في مواقع أخرى أو تكرارها في بلادنا لصالح الحركات المسلحة المحتمية بإسرائيل لإسقاط النظام في الخرطوم.. وفي كلٍ خير لأعداء بلادنا.. أي الأهداف القريبة أو البعيدة تغيير النظام.. وتفكيك السودان.. إذن لا مناص من إنشاء قواعد عسكرية في بلادنا بدون استعصام بشعار «إن القواعد العسكرية تنتقص من السيادة الوطنية» وغيرها من المثاليات التي عفى عليها الزمن في عصر تشابك المصالح.. وتجميع الحيازات الصغيرة.. وإنشاء الأحلاف والاتحادات. ٭ «رب غارة نافعة».. عبارة ساخرة أطلقها الإمام الصادق المهدي بعد قصف أمريكا لمصنع الشفاء بالخرطوم بحري.. ولعل العبارة أصدق ما تكون في قصف مصنف اليرموك.. فالوجود العسكري الإيراني على سواحلنا سيكون شوكة في عين إسرائيل وحلقها مباشرة إذ لن يكون بينها وبين إسرائيل إلا المياه الدولية في البحر الأحمر وبضعة كيلو مترات فوق ميناء العقبة الأردني ليكتمل فكَّي الكماشة حول إسرائيل التي لا تمتلك أي مساحات للمناورة إذا ما وقعت المواجهة بين إيران وإسرائيل والتي تزداد وتيرتها يوماً إثر يوم ولن يلومنا أحد وقد أهدت إلينا إسرائيل المبررات الكافية لذلك.. وها نحن نرى كيف لعب وجود قاعدة بحرية روسية في ميناء طرطوس السوري دوراً محورياً في وقوف روسيا مع نظام الأسد في سوريا ضد كل الإرادة الدولية التي تتمنى زوال نظام بشار ولا تستطيع إلى ذلك سبيلاً في وجود الدب الروسي وبيده الفيتو.. أما نحن فلا بواكي لنا. فلن تجرؤ إسرائيل على استباحة أجوائنا بعد ذلك.. وإن فعلت فعليها أن تدفع الثمن عاجلاً غير آجل. وسيزيد جيشنا قوة على قوة بتنويع مصادر السلاح والاحتكاك المباشر مع القوات الحليفة فقد أمضى جيشنا الأبي جل وقته وأفنى زهرة شبابه في عمليات الأمن الداخلي فقد آن الأوان للخروج من كهف التاريخ «المجيد، والولوج إلى عصر المواجهة الجديد.. ولا تتمنوا لقاء العدو.. وأعدوا..