ثمة اختلاط ديني وشعبي في مفهوم الإصابة بالعين! وكثيرة هي الطقوس والمعتقدات التي يُعتقد أنها «تكف» العين منها الكف خماسية الأصابع «الخميسة» التي تعلَّق في السيارات والمنازل.. وكذلك تعليق حدوة الحصان ونثر الكمون الأسود ووضع بخور اللبان لطرد الأرواح الشريرة، وفي بيوت المناسبات يوضع الملح على المبخر حتى إذا تناثر تيقنوا من وجود عين «حارة» صرفها الله عنهم! ولكن كل هذه معتقدات يرفضها البعض ويقبلها البعض والموضع شائك ومتداخل لذا أجرينا استطلاعًا وسط عينات تمّ اختيارها عشوائيًا كما استعنّا برأي علم الاجتماع، وكان لابد للدين من أن يُدلي بدلوه.. كتبت: سحر بشير سالم لمعرفتي بقصتها وكيف أن حالها تبدّل من رغد العيش إلى ما يسدون به الرمق كان لا بد لي من الوقوف معها قليلاً لتحكي لنا قائلة: تزوجت زواجًا خرافيًا كان مادة دسمة لجلسات الونسة و«الشمارات» وبعد الزواج سافرت برفقة زوجي إلى إحدى دول البترودولار حيث يعمل هناك بوظيفة مرموقة وكان الجميع يتنظر عودتنا في الإجازات لما نحمله للجميع من هدايا ومستلزمات، وكانت والدتي عليها الرحمة كثيرًا ما تنبهنا أنا وزوجي للتحصين خشية الإصابة بالعين و«النجيهة»، ولكن لم نكن نكترث كثيرًا لما تقول ولكن فجأة وبدون مقدمات وفي مشكلة وجد زوجي نفسه متورطًا فيها تمّ الاستغناء عن خدماته بالشركة وخرجنا من تلك الدولة كيوم ولدتنا أمهاتنا وعدنا للسودان لنبدأ مشوار حياتنا من الصفر حيث عمل زوجي سائقًا لركشة بالإيجار وعملت أنا «حنانة» أجوب المنازل في سبيل بضعة جنيهات أضعها جنبًا إلى جنب ما يرزق به الله زوجي لنتولى مهمة تقسيمها مابين إيجار المنزل والمدارس والجامعات والمصروفات اليومية، وبالرغم من يقيني بأن ما حدث هو بمشيئة الله لكن «عقدة العين» تأصَّلت في نفسي وبتُّ أخشى حتى من فقدان عملي الحالي كحنانة! نموذج آخر يعتقد أعتقادًا جازمًا بأن كل ما يصيبه من وعكات وملمات هو من تأثير العين.. إنها الحاجة صفية حيث تقول: لو كنت أسير في الشارع وقابلت شخصًا ما ولم أرتح لنظراته أشعر بأن أرجلي تؤلمني وأعتقد أني«معيونة» وحديثي هذا لم يأتِ من فراغ، فأنا منذ أن كنت في ريعان شبابي «شاشي أبيض» اي معرضة للإصابة بالعين. «بمستشفى الولادة بأم درمان كانت بداية مأساة ابنتي» هكذا ابتدرت الحاجة دار النعيم حديثها واسترسلت: عندما بُشِّرت ابنتي بمولود ذكر للمرة الخامسة كانت إحدى قريباتي حضورًا فأبدت تعليقًا قائلة «فترنا من ولد ولد دي»!! وقبل أن تكتمل عملية الولادة أُصيبت ابنتي بمغص ونزيف حاد تمّ على إثره استصال الرحم! وأكتفى بهذا القول! التقطت أطراف الحديث سيدة في منتصف الأربعينيات من عمرها قائلة: العين حق وهاكم قصة أختي معها.. كانت أختي طالبة متفوقة للغاية، لا أحد ينافسها في إحراز المركز الأول حتى بلغت السنة النهائية في الجامعة، وكانت محط اهتمام وتعليق كل الأهل والجيران، ولكن عندما اقترب موعد امتحانات الفترة النهائية اعتذرت عن بعض منها وتقدمت بطلب بدائل ولكنها لم تركز جيدًا في موعد الامتحانات مما جعلها تسجل غيابًا يوم الامتحانات ومن يومها وهي تعيش أسوأ حالاتها النفسية وترفض إعادة السنة! العين حق ! الشيخ الهادي إسماعيل «ماجستير دراسات إسلامية» حيث أفادنا قائلاً: هنالك عدد من الأحاديث التي وردت بشأن العين فقد قال عليه الصلاة والسلام «العين حق» وقال في حديث آخر «العين لتورد الرجل القبر والجمل القدر» وفي رواية «أن أكثر هلاك أمتي من العين»، وهنالك الحديث الشهير عندما مرَّ عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال: لم أَرَ كاليوم ولا جلد مخبأة فما لبث أن لبط به فأُتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له أدرك سهيلاً إنه صريع، قال: من تتهمون قالوا: عامر بن ربيعة، قال: علام يقتل الرجل أخاه؟ أذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة، ثم دعا بماء وأمر عامر أن يتوضأ فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبته وداخل إزاره وأمره أن يصب عليه وأمره أن يُكفئ الإناء من خلفه» جلد مخبأة معناها الجارية في خدرها ولبط به معناها صرع وسقط. وقال الله تعالى «وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر» ومعنى ليزلقونك كما جاء في تفسير ابن كثير لينفذونك بأبصارهم أي ليعينوك بأبصارهم بمعنى الحسد.. وقال ابن القيم: هي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة.. وتنقسم العين لثلاثة أقسام هي العين المعجبة وهي تكون بدون حسد، والعين الحاسدة وهذه تكون من نفس خبيثة، والعين السمية ويقصد بها العين التي يراد بها الضرر.. وورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يحصِّن الحسن والحسين بقوله «أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة» وعند نزول المعوذتين أخذ بهما وترك ماسواهما.. كذلك أذكار الصباح والمساء والرقية الشرعية التي أفضلها مايرقي به الشخص نفسه. اعتقاد خاطئ اختصاصية علم الاجتماع الأستاذة بدرية الأمين قالت في إفادتها: الأبحاث والدراسات تكاد تكون معدومة في هذا الأمر نسبة لأن علماء الغرب اعتبروا أن تأثير العين في الأشياء ظاهرة غير علمية وصنفوها كظاهرة روحية، وبعض الأطباء نجدهم ينكرون الإصابة بالعين نسبة لتأثرهم بالعلوم الغربية وضعف رصيدهم من القرآن والسنة، فالعين حق.. لكن هنالك بعض الأشخاص يبالغون في وصف تأثيرها ويجعلونها سببًا لكل شيء، فحين حدوث أقل مشكلة يجدهم يتساءلون «قابلت منو؟ أداني عين» وبعض ضعيفي الإيمان يقومون بتعليق التمائم والخرز والكمون.. ويعود ذلك نتيجة للتربية والتنئشة منذ الصغر حيث كان أهاليهم يحرصون على وجودهم بعيدًا عن الناس خاصة في أوقات الطعام، وما إن يصاب أحدهم بأي وعكة طفولية إلا ويكون السبب العين!!.