اتهم السيد وزير الخارجية الاستاذ علي كرتي أمريكا بأنها دولة منافقة وذلك بُعيد قرار الرئيس الامريكي باراك القاضي بابقاء السودان في قائمة الدول الراعية للارهاب. واتهام الوزير لامريكا بالنفاق اتهام صحيح وواضح . والعيب فيه أنه جاء متأخرًا جدًا، حيث كان من المفترض تصنيف أمريكا وكل من عادى حكومة الانقاذ معاداة ظاهرها الصداقة والاحترام وباطنها الكيد والتآمر، كان ينبغي أن تصنف تلك الدولة أو اولئك الافراد أو المنظمات منذ عقدين من الزمان على أنهم منافقون. اقول هذا القول وانا استند فيه تمامًا الى القرآن الذي وضع الخطوط العريضة للسياسة الخارجية للدولة المسلمة وكيفية التعامل مع الدول الخارجية او الافراد او المنظمات كل حسب موقفه واسلوب تعامله مع المسلمين. والخطوط العريضة التي وضعها القرآن للدولة المسلمة للتعامل مع الدول الخارجية مارسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ممارسة عملية بينة وواضحة ودون القرآن تلك الممارسة والتجربة وأصبحت من بعد هديًا قرآنيًا ينبغي ان يتبع متى ما قامت للحق دولة. ولو كان السيد وزير الخارجية أو الذين سبقوه في هذا المنصب أو طاقم الوزارة الدبلوماسي يقرأون القرآن قراءة من يريد أن يستهدي به في كيفية ادارة ملف العلاقات الخارجية، لاهتدوا منذ عقدين من الزمان الى الاسلوب والطريقة الصحيحة حول كيفية التعامل مع امريكا أومع المعادين للسودان من الدول الغربية وغيرها. ذلك لأن القرآن كتاب هداية أي بمعنى انه يوصل صاحبه للحقيقة سريعًا وبأقصر الطرق، فالقرآن حشد لنا تجارب البشرية كلها وفي كل مجالات الحياة منذ خلق آدم عليه السلام حتى آخر تجربة ناجحة الا وهي التجربة المحمدية كل ذلك ليكون الطريق لنا واضحًا نتبع الصحيح منه ونعتبر بأخطاء من سبقونا وحتى لا يكون لنا عذر أمام الله يوم الموقف العظيم. غير ان هناك مشكلة كبيرة جدًا في فهم كتاب الله وكيفية قراءته وفقًا للتخصص المعين في الحياة، اذ ان كثيرًا من القادة والنخب الاسلامية ما زالوا ينظرون الى القرآن نظرة تقليدية موغلة في التخلف، فهوعندهم كتاب يقرأ فقط لاداء الصلاة والاوراد اليومية وليس كتابًا يضع منهجًا للحياة. وبهذه النظرة الهاجرة لكتاب الله حرم المسلمون انفسهم من الاستفادة من أعظم موسوعة علمية تعرفها البشرية وتركوها وراءهم ظهريًا. واذا عذرنا غير الإسلاميين الذين هم على قناعة ان هذا هو دور القرآن، فاننا لا يمكن ابدًا ان نعذر الإسلاميين والذين منهم السيد وزير الخارجية والذين ما هبوا الا ليغيروا هذه النظرة المهينة لكتاب الله وليجعلوا كتاب الله دستورًا للحياة في كل تخصصاتها. والقراءة الصحيحة للنفاق في عهد التجربة النبوية الناجحة، بانه اسلوب وليس مجموعة معينة من الناس. فالنفاق اسلوب مثل غيره من الاساليب التي تٌُتخذ من قبل جماعات او دول او افراد بغض النظر عن الدين الذي يدينون به، هذه هي القراءة الصحيحة للنفاق بحسب ما جاء في كتاب الله. ومن اعتبر النفاق بأنه جماعة من الناس أو حركة من الحركات فقد أخطأ في فهم آيات الله في ذلك، وسينتهي الى ان المنفاقين انما كانوا في عهد رسول الله وانتهوا بانتصار الدعوة الاسلامية. وما يدل على أن النفاق اسلوب وليس حركة هو تأكيد القرآن على ان المنافقين كفار ككفار قريش كما في قوله تعالى : «فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا 88 وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا» 89 . فالمنافقون كفار بنص الآية، ولكن ما يميزهم عن كفار قريش هو انهم حاربوا المسلمين مستخدمين اسلوب النفاق!! على العكس من كفار قريش الذين كانوا يستخدمون اسلوب المواجهة. والقرآن كتاب حث على العدل حتى حين محاربة اعدادئه، فالذي يستخدم اسلوب المواجهة هناك طرق واضحة لمواجهته، والذي يستخدم اسلوب النفاق خط القرآن منهجًا معينًا للتعامل معه لا ينبغي الحياد عنه. هدي القرآن المستديم في التعامل مع المنافقين: بناءً على ما تقدم وطالما ان السيد الوزير وصل الى قناعة تامة وبالممارسة العملية الى ان امريكا دولة منافقة، فهذا يقتضي وفرضًا من المهتمين بالسياسة الخارجية فهم وتدبر وحفظ آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن صفات وسلوك المنافقين وتحليل شخصياتهم ومواقفهم. كما أن عليهم الدراسة و الفهم العميق لكيفية تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع شريحة المنافقين. وفيما يلي نورد مجتهدين تعليمات القرآن المستديمة للتعامل مع من يستخدم أسلوب النفاق لمحاربة السودان. وهذه التوجيهات ينبغي الاهتداء بها حين التعامل مع أمريكا أو كل من يعادي السودان مستخدمًا أسلوب النفاق وهي تتلخص في الآتي: عدم الثقة البتة في أمريكا فهدفها النهائي هو استئصال النظام في السودان، ليس بالمواجهة المباشرة ولكن نفاقاً مستغلين الدبلوماسية وما توفره من ميزات وحصانات جنة في ذلك، «اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» «2» سورة المنافقون. فهم دائمو المراقبة لما يجري في السودان، يتربصون به الدوائر وحين يُبتلى السودان ببعض من الابتلاءات يتدخلون ويستثمرون تلك الابتلاءات بأقصى ما يمكن ويضيفونها إلى أخريات حتى تؤدي جميعها بتطاول الزمن إلى انهيار النظام، كما في منافقي المدينة ايام الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : «وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم» «98» التوبة. عدم الإنهزام والجري وراء امريكا طمعاً في مالها أو دعمها وضرورة وضع سقف حين التعامل معها. وهذا واضح في قوله تعالى: «لاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ» «55» .التوبة. والإعجاب بالشيء بمعنى الانبهار به واستكباره. فلا نقول مثلاً إن أمريكا دولة مهمة ونجري وراءها الى ما لا نهاية طمعًا في مالها أو اتقاءً لشرها، فكلما هرولنا تجاههم ازدادوا يقينًا بضعفنا، وكلما وضعنا سقفًا وحدًا للتعامل معهم هرولوا نحونا لإرضائنا. لذا يجب مجاهدتهم بدبلوماسية الشدة والغلظة حين تستبين مواقفهم حيال قضية معينة تمر بها البلاد. وهذا ما يتضح في قوله تعالى :«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» «73» التوبة. عدم السماح بدخول البلاد لأي من مواطني أمريكا من الذين أساءوا ويسيئون للسودان وشعبه، كقبول منظماتهم الطوعية مرة أخرى بعد طردها، أو قبول دبلوماسيين منهم بعد طردهم أو قبول سياسيين أو صحفيين أو شخصيات عامة أساءت تصريحاً أو فعلاً للسودان، وعدم تصديقها مهما أبدت من عذر وهذا دليله في قوله: «يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» «94» التوبة. وقوله في ذات السورة : «يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ» «96» ، وعلينا تهميش تلك الشخصيات والإعراض عنها كما في قوله : «سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ» «95» التوبة. عدم الدخول في أي أحلافات شعبية أو دولية أو إقليمية تؤسسها أمريكا لمحاربة السودان بهدف إسقاط نظامه. كما في قوله: «وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ «107» لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ» «108». ففي هذه الآية نجد أن المنافقين سموا مكان ذلك التجمع لمحاربة المسلمين مسجدًا حتى يلفتوا أنظار الناس عن أهدافه الحقيقية ومن ثم يستقطبوا الناس لمحاربة الدولة المسلمة. وهذا مثاله واضح فيما يسمى بمحكمة الجنايات الدولية . (I.C.C.) والتي انشأتها الدول الغربية بدعوى العدالة ولكن سيفها لم يسلط الا على قادة المسلمين والدول المستضعفة عمومًا. وعلى الآية فلا ينبغي أبدًا الدخول في عضويتها مهما كانت مغريات العضوية ومهما تلونت أساليب الخداع والمكر. وأخيرًا نقول ان الاجتهاد في التعدي على حدود الله المذكورة أعلاه أو الوقوف عليها أو الاقتراب منها تحدده ظروف السياسة.. والله اعلم.