«الزول دا والله راجل»... بكل أريحية عبّر أحد نواب البرلمان من ولاية الجزيرة عن رأيه بصراحة في المراجع العام، الطاهر عبدالقيوم، وهو يتقدّم كعادته وعادة ديوانه في التحدث بشجاعة يحسد عليها عن مكامن الفساد بالبلاد وأوجه القصور المختلفة في الدولة وفي حساباتها الختامية، ولربما خطر ببالي أنا ومن معي مع ارتفاع وتيرة الاعتداء على المال العام والأموال المجنّبة فضلاً عن ترديد المراجع لذات الملاحظات والتوصيات عاماً بعد عام أن الأمر لن يقود للحل أو للحد من عمليات الفساد بشكل واضح، إلا أن تولي النائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه للجنة العليا الخاصة بتقرير المراجع بث الكثير من التطمينات بدواخلي وبدواخل المواطنين إلى أن هناك أملاً أو قل بصيص أمل عند نهاية النفق، بالإضافة للجهود المقدّرة التي يقوم بها البرلمان عبر لجنة العمل برئاسة د. الفاتح عزالدين. حسناً... ما دفع به المراجع العام في «22» تقريراً تفصيلياً تقدّم به للبرلمان بالإضافة لملخص تلاه في ساعتين ونصف مكون من«75» ورقة، يرسم في مخيلة كل مراقب للأوضاع العامة في البلد أن الفساد يتضخم بطريقة غريبة بفعل مخالفة القوانين وبذات الأسباب التي ظل المراجع العام يحذِّر منها سنوياً من ضرورة اتباع النظم المحاسبية السليمة، واللوائح، ولكن يبدو أنه لا حياة لمن تنادي، كما همس في أذني أحد أصدقائي من الصحفيين وأنا أذكِّره بتقرير العام السابق والتوصيات المتشابهة التي ظل يكررها المراجع العام طيلة فترة تغطيتي للبرلمان منذ أكثر من «7» أعوام. وإذا حاولنا أن نتطرّق لبعض هذه النماذج فستجد أن حديثي عن التقرير ووصفي له بأنه فضيحة في حق الحكومة قد يكون مجامل قليلاً للحكومة. «1» «فحجم الاعتداء على المال العام في الأجهزة القومية والولايات والمخالفات المالية بالبلاد «174.4» مليون جنيه، وتشكيكه في أوجه صرف منح مقدمة من قطر والجزائر عبر إدارة التعاون الدولي، وقوله «لا يوجد ما يفيد بأوجه صرفها» محيِّر جدًا، فأين ذهبت هذه المنح المليونية؟ أضف لذلك أن حجم المال المجنّب بالوزارات والوحدات الحكومية «497» مليون جنيه و«5» ملايين دولار، دع ما سبق قليلاً وتأمّل حديث المراجع عن وجود مرتبات تصرف لأشخاص تم إنهاء تعاقداتهم، ووجود«316» موظف قدموا استقالاتهم لم يتم رفع أسمائهم عن كشوف المرتبات بعد؟؟، أما الأدهى من ذلك فهو ما كشف عنه من تجاوزات بصندوق رعاية الطلاب تتمثل في تقديمه منح لمنظمات في مخالفة واضحة لأغراض تأسيسه، بالإضافة لمخالفات مالية طرف القضاء والمراجعة بلغ حجمها «2.8» مليون جنيه. «2» ويمضي الطاهر بقوّة ويدخل يديه بقوة في عش الدبابير فيكشف عن ارتفاع نسبة العاملين في الدولة بالتعاقد رغم كل القرارات التي ذهبت الحكومة فيها بضرورة التخلُّص منهم، وبلغ عددهم «1094» متعاقداً بإجمالي امتيازات «53.4» مليون جنيه، وأماط الطاهر اللثام عن وجود تعاقد بهيئة الطيران المدني مع خبيرين ب«607» الف دولار سنوياً، ولك أن تتصور «سيدي القارئ» أن معظم هذه التعيينات غير قانونية لأنها لا تتم بموافقة مجلس الوزراء حسب الصلاحيات الحصرية الممنوحة له فقط، ولايريد الطاهر ومعاونوه أن يجعلونا ننسى الولايات وحكوماتها دون أن نجعل المواطن يستغرب معنا قليلاً، فتلك الحكومات تقوم بتحويل مبالغ محولة من الحكومة الاتحادية لمشاريع تنموية لتصرف كتبرعات ودعومات ،و يحاول ان يلحق قليلا بما تبقي من هيبة الدولة ويحاول ذلك من خلال دعوة البرلمان لإصدار قرار فوري للإفصاح عن ضوابط المعاملات بين الأطراف والشركات ذات العلاقة بالحكومة لتحقيق الشفافية ولحفظ أصول الدولة، كما شدد على ضرورة ضبط الإعفاءات الجمركية الممنوحة للمنظمات الخيرية، موضحاً أن هناك «587» منظمة مستفيدة من هذه الإعفاءات، وكشف عن وجود تجاوز في الصرف على مشاريع سد مروي والمشروعات المصاحبة ومشروع تعلية خزان الروصيرص. «3» ويبدو أن المراجع العام نفسه وجد أن الفرصة سانحة للتذكير بالجو الذي يعمل به هو وطاقمه بالديوان وكعادته في الشكوى التي ربما لا تجد أُذناً تصغى إلا فيما ندر فقال إنه يعمل في واقع قاسٍ جدًا وتحدث عن العجز في قواه العاملة والعجز في موارد الديوان المالية، وأكد على هذه العجوزات تحد من شمولية ونطاق المراجعة.. ولك أن تتصور سيدي القارئ، إذا كان الديوان يعمل في ظل متلازمة العجز الدائم الذي يذكره سنوياً «طاقم مال» ومع ذلك يقوم بما يقوم به، فما بالك إذا تغيّر الوضع وتم تمكينه بصورة كاملة مما يريد، فحينها نستطيع أن أؤكد أننا نستطيع أن نحرر شهادة وفاة حقيقية للفساد بهذه البلاد ولا تكون شهادة صورية.!!