عند إعلان قائد الطائرة عن بداية الهبوط على أرض مطار الخرطوم واستدارة جميع العيون عبر نوافذ الطائرة نحو سقوف مباني العاصمة الجديد منها والقديم ورغم حالة الشوق الدافق للهبوط وملامسة أرض السودان والاستحمام معنويًا بدفقات هوائه أو حتى كتاحته في بعض الأحيان، رغم هذه المشاعر المشبوبة إلا أنك تلحظ وأنت في الجو حالة الكآبة والغبشة التي تكسو وجه العاصمة وشوارعها وجدرانها، وتبحث عن ركن أو نقطة تتكئ عليها جمالاً طبيعيًا كان أو مصنوعًا فلا تجد غير النيل الأزرق هبة الله للعاصمة المثلثة والطائرة تعبر منخفضة من فوقه ولكن سرعان ما يختفي حسب سرعة الطائرة وتعود مناظر الغبشة. ومن خلال المعايشة اليومية تجد أن سلطات الولاية في محاولات دائمة ومعافرة لتقديم شيء ما على اختلاف محلياتها ولكن دون برنامج موحد ودون ترتيب للأولويات وأيضًا دون متابعة تضمن الاستمرارية لذلك نجد كثيرًا من مشروعات نظافة وتجميل وجه العاصمة نُفِّذت لكنها سرعان ما أندثرت وأصبحت هي نفسها تحتاج لإزالة أو معالجة تجميلية. كما أن الاعتماد الكامل على الجهد والتمويل الحكومي تسبب في ضعف هذه المشروعات وانعدامها في مناطق كثيرة وشاسعة حسب ترتيب أولويات الولاية ومحلياتها. وأيضًا محدودية خبرة الإدارات المخططة والمنفذة لمشروعات تجميل ونظافة العاصمة كانت عبئًا إضافيًا على موارد الولاية وأدت إلى ارتفاع تكلفة المشروعات وضعف تنفيذها وافتقارها للأفكار الخلاقة (CREATIVE) اللافتة للنظر بحسنها وجديد دلالتها ومناسبتها للموقع وزاوية الرؤية، وهم غير ملومين لأنهم يعملون وفق إمكاناتهم وخبراتهم التي اكتسبوها داخليًا بعد التخرج الأكاديمي وبالتالي تكون محصلة الخبرة قليلة جدًا ولا تحمل جديدًا وهي حسب المتاح والمعروف أصلاً. لذلك رأينا أن ندلى بدلونا ونفتح الباب لآخرين ولنكون إيجابيين في نقدنا وذلك بتقديم مقترحات في غاية البساطة ولكنها يمكن أن تساهم في نظافة وتجميل العاصمة إذا تم تنفيذها جيدًا وأيضًا يمكن تطويرها بمقترحات أخرى. أ/ مشروع النظافة: غالبًا تمر سيارات النظافة عبر الأحياء كل يومين في أحسن حالاتها وطريقة حمل وتحميل النفايات تحتاج لكتيبة من عمال النظافة لنظافة الشارع بعد مرور السيارة حيث إنهم دائمًا في عجلة من أمرهم ولا يلتفتون للساقط من النفايات وما أكثره!!! بل يعملون بنظرية «الجوه جوه والبره بره»، لذلك اقترح: 1/ تقسيم المدن الثلاث حسب الأحياء وتقسيم الأحياء إلى مناطق ومن ثم طرح مناقصات النظافة حسب هذه المناطق بحيث تصبح كل منطقة مشروعًا للنظافة منفصلاً وذات حيز جغرافي صغير تسهل مراقبته والسيطرة عليه. 2/ يتم نقل النفايات يوميًا بعد العشاء لسهولة الحركة وضمان أن تكون المنطقة نظيفة يوميًا عند الصباح، على أن يتم النقل بالموتر الدباب «الركشة» بعد تصميم صندوق خلفي لها يسع حمولتها من النفايات ويكون محكمًا بحيث لا تتطاير وتتساقط منه. 3/ يجهز في كل منطقة «مكب» للنفايات تجمع فيه عن طريق الركشات لسهولة حركتها وقلة تكلفتها ويعين حارس دائم بمقر ثابت يلزم الركشات «بحسن استعمال المكب» ويتم تنظيف «المكب» ورشه بالمبيدات بصورة دورية تضمن عدم تسببه في تلوث المنطقة ويكون للجهة الإدارية المسؤولة عن الرقابة سلطة توقيع الغرامات على المخالفين. 4/ تطرح مناقصة أخرى لمقاولين مؤهلين أكبر من مقاولي المناطق لجمع النفايات من «مكبات المناطق» بالسيارات ويمكن أن تشمل هذه المناقصة أكثر من منطقة حسب مقتضى الحال. 5/ يتم تأهيل وتصنيف المقاولين الصغار «المناطق» والكبار «الجمع من المكبات» حسب الشروط التي يتم إعدادها وحسب متطلبات كل مناقصة. 6/ لا بد من الإشراف الميداني وإعداد التقارير اليومية وبناء عليها تصرف المستخلصات بعد إجراء الخصم اللازم إذا كان هنالك تقصير، ومن حيث الكادر البشري للتفتيش يستفاد من قدامى المعاشيين من القوات المسلحة والشرطة لتوفر عنصر المثابرة والانضباط والمصداقية. 7/ لأغراض هذا المشروع تقوم المحلية بتصميم صندوق حديدي مناسب من الصاج بشكل موحد يباع لكل منزل بسعر التكلفة ويثبت على الجدار الخارجي للمنزل ويكون مُحكم القفل يتم وضع النفايات بداخله ويغلق لحين جمعها ويلزم كل صاحب منزل بإقتناء هذا الصندوق ويتم ربطه بالحصول على عداد الكهرباء بالنسبة للمباني الجديدة أو بأي خدمات أخرى للمباني للقديمة. 8/ يحدد حي أو اثنين في كل مدينة من العاصمة المثلثة كمرحلة تجريبية لتطبيق المشروع وقياس نجاحاته ومعالجة السلبيات، تمهيدًا لتعميمه. 9/ إقامة أسابيع النفير في الأحياء لإزالة التشوهات التي لا تدخل في نطاق مناقصات شركات النظافة والاستفادة من طاقات شباب الأحياء وحتى شيوخها، خاصة في أيام عطلة نهاية الأسبوع. 10/ خلق منافسة بين الأحياء المتجاورة يتم خلالها فوز الحي الأنظف والأجمل بكأس المنافسة ويعكس ذلك إعلاميًا. نتحدث في المقال القادم عن التشجير وتبليط الشوارع الرئيسة.. ونواصل.. كسرتين الأولى.. النظافة من الإيمان وحافظوا على نظافة مدينتكم. الثانية.. كثيرون هم المهمومون بنظافة وجمال العاصمة وكل مدن السودان وهذه دعوة لتلاقح الأفكار وإيصال المقترحات للجهات ذات العلاقة وذلك أضعف الإيمان.