خبر نشرته صحيفتان من شركة واحدة في يومٍ واحد على اختلاف تخصُّص الصحيفتين، وعلى الرغم من تطبيق المهنية والفنية الصحفية العالية في صياغة الخبر في كل صحيفة حسب تخصُّصها إلا أن الخبر كان واضحاً أن مصدره واحد ولجهة واحدة.. وهذا ليس هو الموضوع.. الموضوع ليس أن الخبر أثار في الدواخل الكوامن وشجون الحديث فقد تناولته الصحيفة السياسية تحت عنوان كبير في الصفحة الأولى (أكثر من «150» مليون دولار من الصين وكوريا لولاية الخرطوم) أما الصحيفة الاجتماعية في نفس الشركة فقد تناولته أيضاً في الصفحة الأولى تحت عنوان «الترام يعود مجدداً لشوارع الخرطوم».. وهذا أيضاً ليس هو الموضوع.. فصّلت الصحيفة السياسية الخبر بأن ولاية الخرطوم حصلت على تمويلٍ جديد في مجال النقل العام من بنك الصادرات الكوري بمبلغ «50» مليون دولار لزيادة أسطول البصات وجرى التفاوض على تجميع البصات الكورية في مصنع جياد بالسودان، وتوفير «مينى بص» من كوريا يتم تمليكها لأصحاب الحافلات بالأقساط لتحلّ محلّ الحافلات تدريجياً، وقد حصلت ولاية الخرطوم على منحة من مؤسسة التعاون الدولي الكورية لتدريب مهندسي الولاية في مجال المياه و«الزراعة» في إطار التوأمة.. وسوف تغادر الدفعة الأولى وقوامها «20» مهندساً إلى كوريا خلال أيام، كما أعلن والي الخرطوم عن دخول الشركات الصينية في مجال الإسكان الفئوي بتوفير تمويل وقدره «108» مليون دولار للمشروع.. وهذا ليس هو الموضوع أيضاً.. كانت مقدمة الخبر أن والي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر أعلن أن ولاية الخرطوم تحصّلت على أول عرض لتمويل وتنفيذ مشروع «الترام والمترو» بالخرطوم عن طريق «البوت».. وأُشهد الله بأنني لا أعرف هذا «البوت».. وأرجو أن يكون «بوت» غير الذي نعرفه جميعاً «بالله العارف يرفع أصبعه».. المهم أن هذا «البوت» من شركة سامسونج الكورية وقالوا إن السيد الوالي رحّب بالخطوة باعتبارها فتحاً للعلاقات السودانية الكورية ومن المتوقّع أن تحدث نقلة كبيرة في مجال النقل بالولاية مع علمنا التام أن الولاية والسودان معظمه يتنقل بالكوري وجاء أيضاً أنه من المتوقّع وصول وفد شركة سامسونج خلال أسبوعين للبدء في تنفيذ المشروع.. وهذا هو الموضوع.. لعلنا ندرك تماماً أننا في السودان ومنذ زمن طويل نستخدم «المركوب» الكوري والصيني ونعرفه جيداً ويعرفنا أكثر بدليل أنه جعل منا سوقاً مركزياً رائجاً.. وقد جاء في سياق الخبر أن الولاية كلفت بيت خبرة «ألماني» لاستكمال دراسة مشروع الترام والمترو. فهل هذه هي شورتهم ونصيحتهم أم أن المسألة تمت بعد زيارة الوالي الأخيرة إلى هناك؟!. وددت أن أقول إن اهتمام الولاية بالنقل العام والمواصلات ملاحظ تماماً وهو أمر يهم المواطنين بالفعل والقول على الرغم من أن ظروف المعيشة والغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار بلغ مبلغاً لا يحتمل.. إلا أن النقل أيضاً له أهميته وفوائده ومع علمنا أن أولى خطوات النجاح والتطوّر والنماء تبدأ بالحركة والنقل والترحيل وهذا ما تعلمناه في المدارس الابتدائية ومنذ أيام النهضة الصناعية في أوربا والتي لا تزال تعتمد على القطارات والعربات الثقيلة والشوارع المعبدة والمؤمنة والمراقبة ثم على السفن والبواخر والطائرات بين المدن والدول والقارات.. ونحن في ولاية الخرطوم بالفعل نحتاج إلى «نقلة» و«نقل».. فالشوارع معروفة وثابتة منذ عشرات السنين عرضها وطولها ثابت والناس في زيادة مطردة على رأس كل دقيقة.. والعربات الصغيرة والكبيرة في تزايد وتضاعف أعدادها باستمرار من اليابان وكوريا والصين والهند «ركشات بالهبل» وأوربا وكل دول العالم وحتى السودان «جياد» كل هذا حمل ينقل على الشوارع يومياً بالإضافة للأعداد البشرية المتوالدة والنازحة والمهاجرة إلينا بكثرة.. تجربة «الترام» في أقرب الدول إلينا «مصر» لم تنجح كثيراً بدليل استخدام المترو أيضاً.. ومترو الأنفاق مع كثرة كوارثه وتستخدم أيضاً في دول متقدمة ومتطورة مع ضيق الشوارع والضغوط السكانية والتوسع الأفقي والرأسي. ولعل مسألة النقل داخل الولاية بعد مشروع بصات الولاية والإضافة الأخيرة التي وصلت من الخليج مع ظروف ضيق الشوارع بالولاية وسوء تنظيم الحركة لمختلف أحجام العربات وخدماتها المختلفة يحتاج لإستراتيجيات معيّنة وخطط جديدة ودراسات على مستوى عالٍ.. كباري طائرة وأنفاق ومزيد من الإنفاق. نحن ننظر بحزنٍ شديد لما آلت إليه أحوال هيئات النقل عندنا فالسكك الحديدية أصبحت هياكل وكأنها آثار فرعونية ولم تعد السلطة تهتم بها مع العلم أن أكبر الدول وأعظمها في العالم لم تستغنِ عنها وما زالت تعمل على تحديثها وتطويرها وعملها بين القارات.. كذلك إذا نظرنا إلى هيئة الموانئ البحرية التي كانت تمتلك أسطولاً من البواخر تحمل مسميات السودان والنيلين والولايات وجميعها انتهت ولم يعد لها وجود ولا حول ولا قوة.. وإذا نظرنا إلى الخطوط البحرية السودانية نجدها في حال يرثى له ولم تعد لدينا بواخر ركاب بين سواكنوجدة فقط لتعبر «الخور» «البحر الأحمر» كما يحلو لقباطنة السفن تسميته.. أما إذا عدنا للخطوط الجوية السودانية.. فهذه هي المصيبة الكبرى لا طائرات ولا التزام ولا مواعيد ولا ضبط ولا ربط ولا يستطيع مسافر عليها وهو يحمل تذكرته وحجزه و«الأوكي» وهو في صالة المغادرة أن يجزم بأنه سيغادر على متن سودانير.. ثم يعودون إلى ديارهم بعد أن يودعوا أهليهم مكسوري الخاطر.. مثلما سنعود إليكم بعد أيام.. بإذن الله تعالى..