في حوار توثيقي لجوانب من حياة فاروق عثمان حمدنا الله وزير الداخلية في العهد المايوي والدينمو المحرِّك لمجموعة الضباط الأحرار في تلك الحقبة، جلست (الإنتباهة) إلى الأستاذ حيدر حمد النيل الصديق خازن أسرار حمدنا الله، فكشف لنا في هذا الحوار عن خبايا وأسرار قرار إعدام فاروق وصحبه، وعلاقته بالحزب الشيوعي والضباط الأحرار.. كما تحدَّث لنا عن اختراق الحزب الشيوعي للقوات المسلحة، وأكد أن حسني مبارك الرئيس السابق لمصر هو السبب الرئيس في ضرب الجزيرة أبا، وكشف عن كثير من الأسرار التي تُنشر لأول مرة، تطالعونها عبر هذا الحوار: في البداية حدِّثنا عن اختراق الحزب الشيوعي للقوات المسلحة ومتى كان ذلك؟ الحزب الشيوعي كان جزءًا من تجمُّع الضباط الأحرار، والضباط الأحرار هم عبارة عن تجمُّع لضباط متحررين فكرياً، بعضُهم بعثي وآخر شيوعي ومنهم قوميون عرب، ولكن كان الحزب الشيوعي هو المسيطر على هذا التجمُّع. وما علاقة فاروق بالحزب الشيوعي تحديداً؟ فاروق حمدنا الله هو من المكوِّنات الرئيسية للضباط الأحرار وهو الدينمو المحرِّك لهم ولاجتماعاتهم، حتى إن الاجتماع الذي عُقد وسبق قيام الثورة كان برئاسته في منطقة الصافية ببحري، حتى إن والده توفي في ذلك اليوم ولم يكن يعلم، ورفضت والدتُه دفن جثمان والده إلا بعد حضوره، ولم يكن هناك أي شخص يعرف مكانه إلا أنا ومحمد سعيد الكسباوي وهو ضابط في الجيش وصديق لفاروق، ولم نستطع إخباره بوفاة والده خوفاً من كشف مكان الاجتماع، فلم يُدفن والدُه إلا الساعة الرابعة مساء وهو متوفى منذ العاشرة صباحاً.. وفاروق لم يكن شيوعياً قط. «طيب» ما علاقته بالقيادات الشيوعية أمثال عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وغيرهم؟ علاقته كانت وطيدة مع محمد عبد الخالق محجوب ابن عبد الخالق محجوب فقد كان صديقًا شخصيًا له ولكنه لم يكن شيوعياً. هل كان فكر فاروق تقدميًا؟ نعم كان تقدمي الفكر، وفاروق خُلق لكي يكون حاكماً وهو الذي خلق ثورة مايو، فنميري لم يخلق الثورة، فالثورة «عملها» فاروق، وهو رجل مفعم بروح العدل والديمقراطية، حتى إنه يوم إعدامه قام بفتح أزراره وقال لجعفر نميري (تعال شوف الرجال بموتوا كيف)، فهو رجل في منتهى الشجاعة. علاقة فاروق حمدنا الله بالقيادات الشيوعية وحزبهم، هل كانت قبل الانقلاب أم بعده؟. هذه كانت علاقات شخصية، بل عندما كانوا في رتبة ملازم، أي قبل الانقلاب بفترة زمنية طويلة. هل هذا الانقلاب كان ثورة تصحيحية؟ وهل أسرَّ به لك؟ الثورة التصحيحية هي ثورة هاشم العطا، ولكن هذا كان انقلابًا ضد النظام، نعم أسرّ لي به، وأنا كنتُ واقفاً على كل تفاصيل الانقلاب من اجتماعات وغيرها.. وكان فاروق دائماً يتحدَّث عن أنه سوف يهاجر لتحسين أوضاعه، ولكن لا يذهب، بل هي خطة لتمويه رجال الاستخبارات، حتى إننا سلَّمنا أوراقه وشهاداته للسني بانقا مؤسِّس البلديات في أبو ظبي ليتم توظيفُه في أبو ظبي إمعاناً في التمويه. بماذا كان يتحدَّث عن نميري بعد الانقلاب واستيلائهم على السلطة بالكامل؟ كانت علاقته بنميري جيدة، وما كان يعرف أن نميري «ثعلب» بهذه الطريقة، ونميري قبل السلطة كان إنسانًا ممتازًا ولكن أفسدته السلطة، فقد كان أحد أصدقائي، وكان ابن بلد، وأيضاً السلطات المصرية وتحديداً المخابرات المصرية كان لها يد في إفساده.. وكيف تغيَّر تجاه فاروق؟ نميري داخل السلطة بدأت تضعف قوتُه، وقد أصبحت السلطة بيد خالد حسن عباس ومامون عوض أبو زيد وأبو القاسم محمد إبراهيم.. فكان أبو القاسم يقف أمام أي قرار يتخذه فاروق كوزير داخلية، لذلك كثيراً ما كان ينقل غضبه لنميري حتى خلق فجوة بينهما خاصة أن نميري أصبحت سطوته ضعيفة في تلك الأيام. ما علاقة فاروق حمدنا الله بجمال عبد الناصر؟ كان يعتقد أنه ليس هناك بطل خلاف جمال عبد الناصر وكان مثلُه الأعلى، وكنتُ أجلس معه عندما سمعنا بيان عبد الناصر إبان أحداث حزيران عندما قال (أتحمَّل المسؤولية كاملة وقلبي ينزف دماً) كان فاروق وقتها يتمزق بصورة يندهش لها الحاضر. ...؟ إعدام فاروق وعبد الخالق تقرَّر في ولاية تكساس الأمريكية.. لماذا في تكساس؟ كانت هذه الولاية تجمع ملوك البترول، فكبرى الشركات هناك، وهم الذين يسيطرون على الانتخابات، وهم لا يُرَون، أي يعملون من وراء حجاب.. وفي هذه الفترة كان بترول السودان مُتوقَّعًا ومناجم اليورانيوم في الكنغو أيضاً.. أما التنفيذ فقد أشار لهم السادات بأن يكون عن طريق القذافي.. وقد اجتمعت على هذا الرأي المخابرات الإسرائيلية والألمانية والبريطانية والمصرية، فقد قرر كل هؤلاء تنفيذ قرار المخابرات الغربية.. وفاروق عند قيام انقلاب هاشم العطا والذي يُعتبر ثورة تصحيحية كان موجودًا في لندن بعد أن كان محددًا له الإقامة داخل منزله، ولاقتراب موعد احتفالات ثورة مايو عُرض عليه السفر لأي دولة يختارها فاختار لندن التي كان يدرس بها شقيقه.. كانت كل المخابرات العسكرية الأجنبية تعمل وتجتهد حتى لا يصل فاروق لمنصب يقرِّبه من رأس الدولة لأن مجموعة محجوب كانت تحرك كل الجيش، وحتى مجموعة فاروق عندما قامت بعمل تمويه أرادوا أن يدخلوا البلاد حُجزوا عشرين مرة حتى دخلوا البلاد لأن القنصل السوفيتي قال لهم إنتو مراقبين فإما أن تدخلوا روسيا عن طريق البر وإذا تعسرت هذه المسألة سآتيكم بطائرة حربية فإذا ضُربت سيكون إعلان حرب عالمية ثالثة، وفاروق لأنه ما شيوعي رفض حديث القنصل السوفيتي، عندها أقنع السادات القذافي بضرب الطائرة واستلامهم فهبطوا بالطائرة وأنزلوها في ليبيا ولم يتم التعرف على محمد محجوب من قبل المخابرات الليبية فأمسكوا بفاروق عثمان حمدنا الله وبابكر النور ورجعت الطائرة للندن وبها محمد محجوب. هل كنت شاهدًا على الإعدام؟ في تلك الأيام كنت مختفياً. أين أسرة فاروق حمدنا الله الآن؟ هو متزوج من نائلة شيخ النور أحمد عبد الله ووالده ختمي متطرف ووالدته زينب بت حماد جعلية مسلمابية من كبوشية، شقيقه الأمين توفي في حرب الخمسينيات ولديه شقيقة متوفاة «نفيسة» وأخريات حميدة والزلال الآن على قيد الحياة ولديه من الأبناء أماني وابنه الآن مقيم في لندن مريض لأكثر من عشرين عامًا، وكان السبب في مرضه حكومة نميري فهو يحمل شهادات في الهندسة من لندن ورُفض تعيينه في أي وظيفة لأنه ابن لفاروق حمدنا الله مما أثّر على نفسيته فأُصيب بمرض نفسي. وقبل أن تختمي الحوار هناك حقائق للتاريخ أُريد ذكرها وهي أن ضربة الجزيرة أبا كان السبب فيها حسني مبارك وكنت حاضراً للمذكرة التي كتبها فاروق لنميري قال له فيها إن التجمع الموجود في الجزيرة أبا جميعه من البسطاء والمغلوبين وهؤلاء من جماهير الشعب السوداني، وحينها كان نميري مُستعبدًا للمخابرات المصرية، لذلك نفذ الضربة على الجزيرة أبا لأن المصريين يعتبرون الأنصار وحزب الأمة عدوهم الأول، وبضربة أبا يكونون قد ضربوهم في مقتل لإزاحتهم للختمية فهم موالون لهم.. والذي أذكره جيداً وشهادة للتاريخ أن فاروق عارض نميري وحاول منعه من تنفيذ ضربة الجزيرة أبا.. والمصريون دائماً ما يعتقدون أن الأنصار تاريخياً هم أعداؤهم وضد مصر والختمية موالون لهم..