يحتفل العالم سنوياً في مثل هذه الأيام باليوم العالمي للمعاقين، وإن كان الاحتفال في ظاهره عبارة عن مناشط ومهرجانات إلا أن حقيقته هي مراجعة ما تم من إنفاذ للحقوق المضمنة في كل التشريعات الإقليمية والمحلية ومن ثم معرفة خطط تلك الدول للعام القادم، ووفقًا لإحصاءات غير رسمية فإن بالسودان حوالى مليون ونصف مليون معاق، تمت حمايتهم بدستور السودان للعام «2005م» من خلال أربع مواد تناولت الإعاقة ونصت المادة «12» على أنه لا يحرم أي شخص مؤهل من الالتحاق بأي مهنة أو عمل بسبب الإعاقة والمادة «18» حددت أن الدفاع عن الوطن شرف وواجب على كل مواطن، وترعى الدولة المحاربين والمصابين في الحرب وأسر الشهداء وكفلت المادة «44» الحقوق للجميع وعدم تمييزهم على أساس الدين أو العنصر أو العُرف أو النوع أو الإعاقة ثم احترام كرامتهم الإنسانية. ومن المعلوم أن المسؤول عن حماية الدستور ومتابعة تنفيذه واقعاً هي وزارة العدل التي تقوم أصلاً بحماية الحقوق، ومراقبة سير العمل بما يحقق سلامة تطبيق القوانين وإرساء العدل بين الناس، استناداً إلى الدستور والقوانين النافذة. لم آتِ بهذا السياق في إطار الإحتفال مع المعاقين بقدر ما أود تذكير الوزارة المعنية بمضمون الاستقالة التي تقدم بها المستشار القانوني «المعاق» الدكتور الطيب السماني الشيخ إبراهيم وهو رجل هزم المستحيل وحقق الإعجاز والإنجاز بنبوغه وهمته العالية، فلم تقعده إعاقته عن مواصلة حياته المهنية والأكاديمية، وبذات القوة التي قاتل بها في أحراش الجنوب حتى أُصيب عندما كان ضابطاً عظيماً بالقوات المسلحة، استطاع أن يهزم الخنوع والاستكانة وقدَّم نموذجاً فريداً في المثابرة، وبعد تقاعده عن العمل بالجيش ولج مجال التعليم والتحق بجامعة القاهرة كلية القانون ثم حصل على شهادة المحاماة وعمل بوزارة العدل، ثم بسفارة السودان في موسكو وخُيِّر بين العمل في الخارجية ووزارة العدل فانحاز للأخيرة بحكم اختصاصه وحصل خلال تلك الفترة على درجة الدكتوراه، ثم طاف بلدان العالم شرقاً وغرباً كل ذلك ولم تقعده الإعاقة عن عمله فتدرج في السلم الوظيفي بالوزارة إلى أن تم تكليفه بأعباء مسجل تنظيمات أصحاب الإنتاج الزراعي والحيواني. إلى هنا والأمر طبيعي إلا أن وزير العدل وفي مارس الماضي أصدر قراراً بتعيين مسجل لهذه التنظيمات وجعل من الدكتور نائباً له بحجة الإعاقة التي قد لا تساعده في التحرك للولايات وأن يكون د. الطيب مساعدًا للمسجل الجديد، فكانت هذه الحجج المعلولة سبباً في استقالة المستشار معتبراً ذلك خطأً مهنياً وأخلاقياً فادحاً وقع فيه الوزير بعلم أو جهل الله أعلم والمهم أن تمييزاً وقع على الرجل بسبب الإعاقة ومخالفة واضحة من الوزير للمواثيق والقوانين والدستور، فضلاً عن إصابة الدكتور «المميَّز» في أشرف الميادين وليت السيد الوزير قال بالكفاءة والخبرة والتأهيل. أفق قبل الأخير: جاء في جزئية من الاستقالة الحزينة: ظُلمت من الناحية النفسية والعملية وهذا تمييز واضح، فإذا كانت الإعاقة تحرمني من منصب المسجل فهي بالضرورة تحرمني من موقع النائب، والمسألة لا علاقة لها بمعاش أو مرتب بل مسألة مبدأ فلا يمكن أن أنادي بحقوق المعاقين وأعمل بخلافها لذلك أستقيل. أفق أخير: السيد وزير العدل راجع المواد «12»، «18»، «44» من الدستور.