التعليم يمثل أساس نهضة الشعوب وتحضرها، وما من أمة أهملته إلا وأصابها الوهن والضعف وسوء الحال وعاقبة المآل، وإن كانت الحكومات تتحمل النصيب الأكبر في الاهتمام إلا أن المجتمع عليه دور يجب أن يلعبه في هذا. في التحقيق نتناول الوضع الراهن للتعليم في ولاية شمال كردفان ذات الكثافة السكانية العالية، حيث نسلط الضوء على التعليم بشقيه الأساس والثانوي لخصوصية الولاية وما لحق بالتعليم من دمار في بيئته العامة ووضع المعلم والطالب على حد سواء الأمر الذي جعل النائب الأول لرئيس الجمهورية يطرح مبادرة محاربة المدارس القشية كما أن مؤتمر التعليم الذي عقد بالخرطوم مؤخراً وصدرت عنه عدة قرارات وتوصيات حول زيادة دعم التعليم بالولايات وتغيير المنهج وتوطين الكتاب المدرسي وتحسين وضع المعلم وإنشاء كلية متخصصة لتدريب وتأهيل المعلم وغيرها من الملفات التى تؤرق المعلم والطالب وينتظر تنفيذها في الواقع ..! هجوم عنيف شنّه أولياء أمور الطلاب وعدد من المواطنين على نواب المجلس الوطني والتشريعي الولائي وحمّلوهم مسؤولية ما لحق بالتعليم من دمار لضعف مراقبتهم للجهاز التنفيذي وعدم المحاسبة للوزراء المختصين، حيث قال المواطن علي جاسر محمد «ودبندة» إن التعليم أصبح حاله يشفق عليه برغم تقدُّم العالم إلا أنهم متأخرون، مبيناً أن المدارس التي شيِّدت في سنوات ماضية بالمواد الثابتة أصابها الدمار والمدارس الجديدة لم تكن بذات جودة ومتانة الماضي. فصول القش مدير التعليم بشمال كردفان إسماعيل مكي قال ل«الإنتباهة»: إن شمال كردفان بها «2066» مدرسة أساس و«195» مدرسة ثانوية ومنذ العام 2007 وحتى الآن الحكومة شيّدت«179» مدرسة أساس مكتملة بالمواد الثابتة وبالأمس بدأ العمل فى تنفيذ«32» مدرسة أساس جديدة «28» منها ضمن مبادرة النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه وأربع منحة من البنك الدولي الذي بدأ اهتمامه واضحاً بتعليم الأساس دون المرحلة الثانوية، وعلى الرغم حديث مكي المتفائل إلا أنه عرّج إلى حديث محزن حين قال مع كل هذه التحولات ظلت الفجوة كبيرة حيث ما تزال هناك خمسة آلاف فصل مبني بالمواد القشية ولا تزال تنتظر جهود الحكومة، مبيناً أن تغطية الكتاب المدرسي للولاية بلغت «52%» وأن اليونسيف والبنك الدولي لهما مجهودات مقدّرة ويتوقع أن يسهما خلال العام 2013 في توفير كتب العلوم والرياضيات بمبلغ أربعة مليارات جنيه وبقي على الحكومة توفير كتب المنهج الأدبي. المحليات عاجزة واقع الحال في الولايات يشير إلى معضلة لجهة أن المفارقة واضحة في أن تعليم الأساس يمضي ربما بصورة شبه مرضية بجهود الحكومة ودعم المنظمات لكن التعليم الثانوي لا بواكي عليه وأن المنظمات لا تعمل على دعمه كما أن هناك تقاطعات أخرى في عملية التعليم بشمال كردفان وسببها نظام الحكم المحلي الذي أعطى المحليات سلطة وتبعية التعليم لها دون الصرف عليه وأن المسؤول أمام المجلس التشريعي الولائي هو الوزير وليس المعتمد. الشكوى لغير الله مذلة «لإنتباهة»وقفت ميدانياً على نموذج لانهيار التعليم بشمال كردفان في محلية ودبندة ففي صقع الجمل كانت محطة مدرسة الصديق الأساسية بنين والتي شيدت في منتصف الخمسينيات بالمواد الثابتة، فقد كانت عبارة عن «6» فصول ثم زادت فصولها إلى«8» وميس معلمين وداخليات بعنابر من الحجر وخرّجت عدداً من الكوادر منهم الوزراء محمد الحاج محمد وزير التخطيط العمراني الأسبق بشمال كردفان ووزير المالية بجنوب كردفان والنيل الأزرق الأسبق علي عبد الباسط، ومدير إدارة التسويق النفطي أزهري باسبار، وعدد من القيادات السياسية والتشريعية والتنفيذية، لكنها اليوم انهارت تماماً وتصدعت وأن «75%» حالة انهيار كامل و«25%» تصدُّع بما في ذلك مكتب المدير فقد تمكنت الرياح من إقتلاع سقفه وأبوابه. مدير المدرسة الأستاذ، فائز آدم سالم، التقيته بمكتبه وهو يشكو لطوب الأرض، فقد وصف الحال بالمزري وقال إن المدرسة لم تطولها يد التعمير منذ تأسيسها عدا بعض عمليات الصيانة البسيطة التي نفذها أبناء المنطقة ولا يمكن أن نطلق عليها لفظ صيانة بمعناها الواضح، وأما مكاتب المعلمين فحدث ولا حرج ورغم أن أكثر من مسؤول زاروهم لكن لا حياة لمن تنادي. الجمرة بتحرق الواطيها أما عضو مجلس آباء المدرسة ورئيس جمعية التبلدي الزراعية، حسن شطة أبوخير فقال إنه في يوم من الأيام درس في هذه المدرسة ثم عاد إليها معلماً وشهد كل تحولاتها واصفاً الوضع بالمزري والانهيار الكامل، مناشداً أبناء المنطقة والذين درسوا ونالوا مواقع عليا بأن يلتفتوا إلى منطقتهم قبل الطوفان. مهتمون نفى نائب دائرة صقع الجمل بشريعي شمال كردفان الصادق مكين ما دمغوه به من اتهامات مؤكداً أن جهودهم لم تتوقف في دعم مسيرة التعليم وأن الولاية موعودة بعمل كبير في إطار مبادرة النائب الأول لدعم التعليم وتغيير بيئته كما أكد أنهم ومن خلال هيئة تنمية ودبندة برعاية الدكتور نافع علي نافع ورئاسة الدكتور أحمد علي عبيد الله قد ساهموا بشكل كبير، صحيح هو دون الطموح لكنه جهد مقدر ومتصل. فصول الخيش نموذج آخر وقفت عليه «الإنتباهة» في محلية ودبندة وهي مدارس الأساس بمنطقة «جلة» التي تعاني من جملة مشكلات على رأسها التعليم الذي يمكن وصفه بالأسوأ، مدير مدرسة مصعب بن عمير الأساسية بنين الأستاذ محمد بشر أحمد التي يدرس فيها «350» طالباً بها فقط فصلان من المواد الثابتة شيِّدت من نفرة ودبندة والبقية فصول قشية ومنهارة تماماً وبعضها جولات خيش بالية لا تقوى على صد الرياح ولا تقي من الشمس أو البرد، بشر أكد أن المدرسة بها «6» معلمين فقط ولا يوجد بها تجليس وأن طلابها يفترشون الأرض ويلتحفون السماء. لا فصول لا معلمين! حالة آخرها تمثل صورة من معاناة التعليم بالولاية مدرسة الحميراء الأساسية بنات بجلة وهي مدرسة لا توجد بها أدنى مقومات تمكن من أن تسمى مدرسة لا من حيث البنية التحتية ولا حيث المعلم أو الكتاب المدرسي، المعلم صديق حسن علي قال إن المدرسة فيها «4» معلمين فقط ومتعاونون يدرسون «8» مواد من المقرر وفيها «7» فصول قشية. العين بصيرة واليد قصيرة معتمد ودبندة، معاوية المنا، الذي طلبت منه «الإنتباهة» تفسيرًا لواقع التعليم في محليته وأين تقف المحلية من ذلك الواقع فقال إنهم مدركون للحال ويعملون لتغيير الواقع إلى أفضل، موضحاً أن عدد طلا ب المحلية «29449» طالباً وطالبة وبها «130» مدرسة أساس، القشية منها «83» مدرسة وتغطية المعلمين بنسبة «50%» وقال إن الإجلاس متوفر بنسبة «33%» فقط وتغطية المعلمين بنسبة «57%» بواقع معلم لكل فصل، وإن العمل يجري لسد الفجوة بتوفير فرص للطلاب في سن التعليم بفتح مدارس جديدة لاستعياب كل الطلاب وحول المدارس القشية قال المعتمد إن العمل يجري في تأسيس عشر مدارس بالمواد الثابتة وتوفير ثلاثة آلاف وحدة إجلاس ثلاثية المقاعد لتجليس تسعة آلاف طالب وطالبة إلى جانب جهود محاربة التسرُّب المدرسي الذي بلغ نسبة ال« 28%» مؤكداً أنه تم مؤخراً تشييد مدرستين مكتملتين و«8» مدارس بشكل جزئي أي فصلين بالمواد الثابتة، والبقية مواد محلية. واقع محزن عضو المجلس الوطني عن دائرة ودبندة المهندس محمد الحاج عبر عن حزنه من الوضع الراهن للتعليم بشمال كردفان مبيناً أن الحال يتطلب تضافر الجهود الرسمية والشعبية ومنظمات المجتمع المدني المحلية والعالمية، كما أكد سعيهم لاستنفار الجهود في هذا الصدد حتى يتم التحول المطلوب في تحسين حال التعليم والتنمية بشكل عام في الولاية. من المحرر: الواقع الذي رصده التحقيق جزء يسير مما يعانيه التعليم في كردفان التي هي جزء من واقع تعيشه معظم ولايات البلاد في بنية التعليم وبيئته مما يحتم على الحكومة والمجتمع وضع مسارات جديدة لإستراتيجية نهضة التعليم الذي هو عماد نهضة وتنمية البلاد في مناحيها كافة.