غريب وعجيب أمر بلادي!! تجدنا متفردين في كل شيء حتى في الفساد والعناد!! كتب غيري كثيرون عن ناقلنا الوطني الخطوط الجوية السودانية واجتهد منهم في الخروج بروية إيجابية للنهوض بتلك الصناعة القومية المهمة وعقدت المؤتمرات والسمنارات وورش العمل ولجان التداول جمعت في طياتها أكبر الكفاءات وأميز من يعالج تلك الحالة المتردية التي وصلت لها سودانير ولكن هل من من مجيب؟ فأنا أتحدث عن سودانير بحكم قربي من تسويق وترويج تلك التجارة فأجد أننا لم نتجاوز أبسط النسب المئوية في النهوض والمواكبة فهل تعلم أخي القارئ جميع الخطوط العاملة في محيط الجو الدنيوي ارتقت وتسارعت في الخطى نهوضاً وتطويراً حتى في نظام إصدار التذاكر الإلكترونية إلا أننا حتى الآن لا نجد لسودانير أي وجود في النظام الإلكتروني الآلي الذي يعرف (بنظام الأماديوس) وحتى موظفي الوكالات والمكاتب الفرعية يضطرون دوماً للرجوع للشيت الورقي لمعرفة أسعار التذاكر التي تتغير خلال العام عشرات المرات والحداثة في النظام الآلي هو أن العميل عندما يحدد خط سيره وتاريخ مغادرته وعودته والخط الذي يستخدمه يجد سعر التذكرة أدرج أتوماتيكياً وأنوه هنا إلى أن قيمة التذكرة قد تختلف من راكب لآخر في نفس الدرجة لنقول مثالاً إن أحد المسافرين قام بحجز مقعده اليوم «12 ديسمبر» بطائرة يوم «25 فبراير 2013م» وإن راكب آخر قام بحجز على نفس الطائرة وفي نفس التاريخ ولكنه طلب المقعد يوم «20 فبراير» أي قبل السفر بأربعة أيام نجد أن سعر المقعدين قد اختلف كثيراً وهذا يعرف بدرجات الحجز وهو موجود في الأماديوس ونفتقده في سودانير، فالتذكرة سعرها موحد في أي وقت وأرى في ذلك خسارة لم ينتبه لها الناقل الوطني فما قمت بشرحه نظام دقيق تتعامل به كل خطوط الطيران في العالم ما عدا سودانير ولا أجد المبرر لذلك هل لأننا لا نملك القدرة على تنشيط هذا النظام أم أن الركود وعدم الحداثة جعلتنا ندور كما يقول العسكر (جري في المحل)، أما الجانب الآخر فلنقارن مثلاً بالخطوط الإثيوبية والكينية ونلاحظ الفرق فنجد اهتمام دولهم بناقل بلادهم ولو نظرنا بصدق وتمحيص نجد أن اقتصادنا ومواردنا وحتى تاريخنا في عالم الطيران أفضل بكثير منهما ولكن حكومة تلك الدول وضعت سياسة واضحة لتطوير تلك الصناعة واهتمت كامل الاهتمام بها لم تجامل في اختيار الكوادر ولم تحابِ أحدًا أو تفصل أحدًا لأي من المكايدات السياسية أو الحزبية، استفادت من خبرات محلية واستوردت خبرات أجنبية لديها التجربة والخبرة الكاملة فيما اختيرت من أجله، حدثني أحدهم بأن أحد مهندسي الطيران الأجانب تم التعاقد معه بواسطة أحد الوسطاء بعد أن اتفقوا على عمولة محترمة لذلك الوسيط إلا أن الخبير لم ينجح في كل ما أوكل إليه وأخيراً اكتشف بأنه عمل فقط في شركات طيران خاصة ببلاده وبدون شهادات!! أما إذا نظرنا للقيادات التي تتولى رئاسة الشركة فنجد أنها قيادات بعيدة كل البعد عن هذا المجال ولم يتم تعيينهم إلا لاعتبارات يعلمها الجميع ويشهد كل من عمل في هذا المجال بأن من تولى رئاسة الشركة في الحقب الثلاث الماضية أضرها أكثر مما أفادها فمنهم من كان ضابطاً ذا منصب رفيع وظل لفترة طويلة خارج البلاد في إحدى سفاراتنا بدولة مجاورة أتى بعقلية العسكر وأقال عددًا لا يستهان به في كل إدارات سودانير مبرراً لحاجة سودانير للخصخصة ولم يوفق إطلاقاً في ذلك، ونحن نعلم بأن من استبعدوا كانوا أكثر خبرة ودراية وحرص على النهوض بالناقل الوطني وجاء مدير آخر من موقع لا صلة له البتة في هذا المجال وظل ومن معه يهتمون بسفاسف الأمور وينظمون الرحلات الترويجية والمؤتمرات الخارجية وتناسوا الهم الأكبر وهي معالجة المسائل الفنية البحتة للطيران، وأذكر من ذلك تجربة شخصية فقد دعينا قبل عام ونصف العام تقريباً لرحلة ترويجية لتدشين خط كانو إنجمينا وكان الوفد آنذاك مكون من «45» شخصاً تقريباً بقيادة الأخ العبيد فضل المولى المدير السابق لسودانير وظلت معنا طائرة من أسطول سودانير لمدة يومين وكنت أسأل طيلة الرحلة كم كلف الوقود لتلك الرحلة خاصة أن مسافة الطيران لا تقل عن «8» ساعات ذهاباً وعودة ما مصير من أُجلت رحلاتهم بسبب هذه الرحلة الترويجية واستمر اللت والعجن حتى توقفت رحلات القاهرة ودبي وأصبحنا لا نرى سودانير إلا في موسم الحج والعمرة الذي غالباً ما يتم تأجير طائرات لشركات أجنبية لنقل الحجاج ولعل أكبر مأساة عندما أُعلن في التلفزيون القومي بوصول أول فوج للحجاج هذا العام من الأراضي المقدسة ليظهر شعار طيران الخليج ناقل باسم سودانير!! يا للعجب!! وليعلم الجميع بأن أكثر من «35%» من حجاج هذا العام عدلوا رحلاتهم بحراً بسبب سودانير، وإن حاولنا الحديث عن مكاتب سودانير بالعاصمة وخدمات الزبائن وحتى الرد الآلي نجد أنفسنا في مأساة حقيقية، فالمكاتب في حالة اكتظاظ ومناكفات دائمة بين الركاب والموظفين تعامل لا يرتقي للإنسانية بشيء وكل موظف لديه من الأصدقاء والأهل والمعجبين ما يسعى لإيجاد حجز لهم وحتى في الضيافة الجوية فاللون الأبيض الذي يرتديه الموظفون غير مناسب، إما لعدم ملاءمة الجو والأتربة بالسودان أو لنوعية الشخص الذي يرتديه ويمكنك أن تفسر ما هو أنسب للواقع المرير وطريقة التعامل لعلهم لا يعرفون بأن التعامل مع العملاء يدرَّس في جامعات ومعاهد وخبراء، وأذكر أنني كنت في رحلة إلى جِدة على سودانير وظلت الطائرة قابعة بأرض المطار لأكثر من «4» ساعات والركاب بداخلها وطلب من هو بجواري كوب ماء ليبل به رمقه فقالت له المضيفة (لو سمحت ما تفتح لي الباب ده) وتقصد باب طلب الموية!! تخيلوا معي هذه الطريقة لذلك لا بد لنا من وقفة صادقة لمعالجة جذرية لتطوير الناقل الوطني ولندع الوعود والتصريحات جانباً ولنعيش واقعاً فتحدثنا وكتبنا وناقشنا ونصحنا كثيرًا لكنا لم نلتمس شيئًا محسوسًا فحتى كتابة هذه السطور رحلة القاهرةالخرطوم أُجلت من السبت إلى فجر الأحد ومن الأحد إلى صباح الإثنين ومن الإثنين إلى صباح الجمعة وعرفت من آخر اتصال بي أمس أنها ستغادر السبت الساعة «7» مساءً (والما عاجبو يرجع تذكرته) وحتى كتابة هذه السطور لا يوجد نظام إلكتروني في إصدار تذاكر سودانير ولا يوجد موظف بمكاتب الشركة يجيد فن التعامل مع الآخرين ولا يوجد مضيف يهتم بهندامه وطولة باله مع الركاب!! صرفنا مليارات الدولارات في شتى المجالات في الطرق والأندية والمولات والبصات والفارغات وتشييد مباني الوزارات والشركات الحكومية لم نجد حظر منعنا من جلب أي معدات أو قطع غيار لأي من المصروف فيه تلك الدولارات إذاً لماذا نتعلل بأن سودانير تعاني الحظر الجائر؟ أنا أعلم أن فطاحلة القرار ببلادي يعرفون كيف يلتفون على القوانين الدولية فلا بد أن نرى همتهم في الخروج بسودانير من هذا النفق وهذا الضياع لنترك قصص الفساد وخط هيثرو ومخصصات فلان ولنترك الهوامش لأصحاب الاختصاص فنيابة المال العام تعي دورها تماماً في ما مضى من تجاوزات ونصب على المال العام ولنلتفت بصدق لزيادة أسطول سودانير ومحزن أن تؤجر سودانير من شركة خاصة إيجارًا طويل المدى لمدة «15» عامًا، وكأننا يئسنا بأن الحل ليس قريبًا هذا التاريخ ليس صعبًا أن نطور وننهض ونواكب صناعة الطيران أقل شيء في عالمنا الثالث ولا أغضب عندما أتصفح الكتيبات بمقاعد شركات الطيران الأخرى وأجد أن أسطول مصر القريبة منا في كل شيء يفوق «60» طائرة وكينيا «45» طائرة وإثيوبيا «37» طائرة وأسطول سودانير طائرتان فقط و«2» تحت الصيانة لا بد أن نستفيد من تجارب الآخرين ولننظر ماذا قدمنا وصرفنا في حدوتة سلفا كير واتفاقيات دولة الجنوب بدءاً بنيفاشا وانتهاءً بسلام الدوحة كم صرفنا وخسرنا وتنازلنا أما كان الأجدى بأن نوقف هذا العبث وهذه المحادثات والتنازلات المضحكة، أما كان أجدى بنا أن نلملم ما صرفناه في هذا الفراغ السياسي الذي أعلم بأن قيمته المادية تعادل شراء أسطول لسودانير لا يقل عن «20» طائرة ولو بوسيط ملتوي هذا أفضل لنا ولسودان العزة من ضياعه في سلفا كير وأعوانه فطيران سلفا كير دائماً يكون مقصده الشر والدمار والمآسي بفقد إبراهيم والزبير وشهداء تلودي، أما طيران سودانير فيحلق بنا إلى بيت الله الحرام وبلد النبي الأعظم وكما قال شيخنا البرعي عليه الرحمة.. (الطائرة السودانية لرسونا قوماك بيا) همشوا سلفا كير وادعموا سودانير فهي الأحق.