ارتكزت إستراتيجية دولة الكيان الصهيوني للتدخل في الدول على مقولة رئيس إسرائيل السابق بن غوريون (إن الجهد الإسرائيلي لإضعاف الدول العربية لا يجب أن يحشد على خطوط المواجهة بل يجب أن ينتشر ليصل إلى قلب الدول العربية حتى يمكن أن تتحول إلى دول دعم وإسناد). ويقصد الوصول للجماعات غير العربية التي تعيش على التخوم كجنوب السودان.. لذلك فقد توصل الإستراتيجيون العسكريون والسياسيون في إسرائيل إلى رؤية بعيدة المدى من خلالها يمكن التوغل خارج حدود المواجهة مع دولتهم وذلك عبر بناء قوة عسكرية متفوقة تولت دول غربية من توفيرها للكيان الصهيوني والذي بدوره إطلع بمهمات في دعم حركات التمرد. كما ذكر العقيد في الجيش الإسرائيلي موشي فرجي في كتابه (إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان نقطة البداية ومرحلة الانطلاق) حيث قال إن حركات التمرد التي فجرتها الجماعات الاثنية والطائفية استمدت الدعم والإسناد من الأجهزة الإسرائيلية بتبنيها لفكرة الانفصال والتحرر. وبعد أن أثمرت مجهودات الكيان الصهيوني ودعمه لعشرات السنين لا بد أن تحصل إسرائيل على فاتورة اتعابها من حركة التمرد في جنوب السودان بعد أن أصبحت حزبًا حاكمًا وهو في أشد الحاجة لمقومات بناء منظومته الدفاعية ورفع قدرات قواته العسكرية. بمعنى أن إسرائيل الآن ستطلب أكثر مما تعطي وبما إن السودان يمثل العمق الإستراتيجي لدولة مصر والتي تشكل أكبر مهدد للكيان الصهيوني في المنطقة لهذا فالراجح أن إسرائيل ستقيم أكبر قواعد لها بإفريقيا في جنوب السودان. وذلك عبر بناء علاقات سياسية ودبلوماسية وعسكرية مع جنوب السودان ودول الطوق إثيوبيا وإريتريا لتنشئ حلفًا جديدًا في قلب إفريقيا لإضعاف العالم العربي وتفكيك السودان من حجمه الحالي إلى دويلات من خلال دعمها لحركات التمرد كما فعلت مع جنوب السودان. وبما ان قدرات الجيش السوداني في تطور عجزت أمامه آلة الدعم الغربية من اختراق خطوطه الدفاعية في المواجهة مع حركات التمرد حتى تم تغيير الإستراتيجية وتحولت المعركة إلى سياسية وانتهت عبر ما يعرف بالحوار والتفاوض الذي رعته منطقة إيقاد وأصدقاؤها والذي أفضى إلى اتفاقية نيفاشا ومن ثم تحقق الانفصال والذي كان الهدف الأساسي للدعم الصهيوني والغربي. إن تسليط الضوء على ما يقوم به الكيان الصهيوني ودعمه الواضح لحركات التمرد والتي أدت إلى تحقيق غايتها بالانفصال وخلق بؤر توتر في أبيي والشريط الحدودي إضافة لاستنزاف السودان اقتصادياً بمواصلة النزاع يقودنا إلى النظر ببعد أكبر إلى ما يعرف بالجبهة الثورية وفصائل المعارضة المسلحة في دارفور ومدى ارتباطها بإسرائيل وافتتاح مكاتب لها في تل أبيب مع توفير الدعم اللوجستي والإعلامي وذلك لإعادة نموذج الحركة الشعبية في الجنوب. ثم يجئ اعتداء الجيش الإسرائيلي على مصنع اليرموك للتصنيع الحربي في الخرطوم تحت حجج دعم السودان للمقاومة الفلسطينية في حين ان المقصود هو وبلاشك اضعاف قدرات القوات المسلحة السودانية وشل قدرتها في المواجهة مع حركات التمرد في كافة الجبهات التي فتحت. والمراقب للمشهد يمكن رؤيته من زاوية أخرى فدولة الجنوب بعد حصولها على الانفصال وتكوين دولتها التي تعتبر حلمًا قد تحقق بالنسبة لها وفوق ذلك وجدت تأكيدات من حكومة السودان في الخرطوم على دعمها بكافة الإمكانات التي تجعل منها دولة ناجحة إلا أننا نجد تعنت الجنوب في خلق عداوات مفتعلة واحتضان حركات التمرد ودعمها بالعتاد الحربي وفتح خطوط إمداد لقواتها في جنوب كردفان ودارفور وهذا دليل على ضغوط إسرائيلية هي جزء من مخطط لتقسيم واضعاف السودان. ويبقى على السودان أن لا يقف متفرجاً على ما تضعه إسرائيل من مخططات لزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد بوضع إستراتيجية واضحة لمواجهة الصلف الإسرائيلي والغطرسة الغربية التي لا يردعها قانون دولي أو مجلس أمن فهذه المؤسسات أضحت لا تشكل هاجساً لهذا النبت الشيطاني الذي بداء يتغلغل في القارة الإفريقية وسيصبح وجوده أكبر بعد ميلاد دولة الحركة الشعبية في جنوب السودان. ففي ما يختص بهذا الوجود الإسرائيلي في بعض الدول الإفريقية وبناء قواعد عسكرية والتي شنت منها عدوانها على مصنع اليرموك فقد أثبت بيان للجيش الإسرائيلي أنه يمتلك قاعدة في جزر بالبحر الأحمر تتبع لدولة إريتريا وتسمى(دهلك) وجزيرة أخرى تستأجرها إسرائيل من إريتريا أيضاً واسمها جزر (حالب وفاطمة) وكذلك قاعدة عسكرية في جزيرة إثيوبية مواجهة لباب المندب تسمى (جبل الطير) مطلوب من الخارجية السودانية وهي عضو أصيل في الاتحاد الإفريقي ومجلس السلم الإفريقي كشف كل هذه المهددات للأمن القومي السوداني والعمل على إلزام الدول التي تتعاون مع هذا الكيان المعتدي على قطع علاقاتها وعدم تمكينه من الاعتداء على السودان لاسيما أن ذلك منصوص عليه في المواثيق الدولية. فإن ما حدث مع السودان من قصف لمجمع اليرموك هو عدوان صريح وفق التعريف الوارد في ميثاق الأممالمتحدة حيث جاء في المادة الثالثة. أ/ عدم قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه أو احتلال عسكري ولو مؤقتاً ينجم عن مثل هذا الغزو أو الهجوم ضم الإقليم لدولة أخرى. ب/ قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة الموجودة داخل إقليم دولة أخرى بموافقة الدولة المضيفة على وجه يتعارض مع الشروط التي ينص عليها الاتفاق أو أي تمديد لوجودها في الإقليم المذكور إلى ما بعد نهاية الاتفاق. ج/ سماح دولة ما وضعت إقليمها تحت تصرف دولة أخرى بأن تستخدمه هذه الدولة لارتكاب عدوان ضد دولة ثالثة. هذا لرد العدوان بالطرق الدبلوماسية والسياسية في الحلقة القادمة سنتطرق لكيفية الرد بطرق أخرى أكثر إلاماً لإسرائيل.