تعود العلاقات الإسرائيلية الإفريقية إلى خمسينيات القرن الماضي حيث كانت ليبيريا وجنوب إفريقيا أول الدول الإفريقية التي إقامة علاقات مع إسرائيل وكانت ليبيريا ثالث دولة تعترف بإسرائيل ، ومن ثم تنامت العلاقات الإسرائيلية مع إفريقيا حيث زاد عدد الدول الإفريقية التي تقيم علاقات مع إسرائيل إلى أكثر من 30 دولة في سبعينيات القرن الماضي ولكن هذه العلاقات ما لبثت ان شهدت تراجعا بعد 1967 ووصل هذا التراجع ذروته في عام 1973 حيث قطعت الكثير من الدول الإفريقية علاقاتها مع إسرائيل وأدانت الدول الإفريقية الاعتداءات والاحتلال الإسرائيلي لأراض العربية . لكن لم يستمر الوضع كما هو حيث تحسنت العلاقات الإفريقية مع إسرائيل بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد ،وتزايد التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي . وعودة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية حيث أعادت معظم الدول الإفريقية علاقاتها مع إسرائيل .وألان تعتبر العلاقات الإسرائيلية الإفريقية في ذروتها بما فيها دول عربية . وإسرائيل مهتمة جدا بعلاقاتها مع إفريقيا ، وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية و إستراتيجية .من اجل ان تكسر العزلة التي تفرضها الكثير من الدول العربية والإسلامية ولتعزز اقتصادها من خلال التبادلات التجارية وما تقيمه من مشاريع استثمارية .مستغلين الفراغ الذي كان يجب ان يملئه العرب المجاورين . وبهذا الخصوص يقول موشيه شاريت “تشكل إفريقيا من وجهة نظرنا, ميدانا مهماً لا ينبغي أن نسمح بنشوء فراغ فيه بعد حصول أقطارها على الاستقلال لأن ملء هذا الفراغ من قبل قوى غير صديقة سيعتبر نكسة لنا “ وقال ليشيم المسئول السابق في العلاقات الافريقية في وزارة الخارجية الإسرائيلية ( أن صداقة أفريقيا هي عامل قوي يفيد إسرائيل في العالم الآفروآسيوي وقد تكون ذات دور حتى يمكن إقناع العرب بالتفكير في التعايش السلمي وعلى هذا الأساس تخرج إسرائيل من عزلتها") ويبدو ان السياسة الخارجية الإسرائيلية قد نجحت الى حد كبير في كسر العزلة العربية وهذا راجع الى التصرفات الرعناء لمصر السادات بتوقيع كامب ديفيد والتي تحظى اليوم باحترام الإسلاميين (اخوان مصر ) . ولإسرائيل اليوم تواجد عسكري لا يستهان به في الكثير من الدول الإفريقية ومنها اثيوبيا واريتريا وجنوب السودان الذي ساهمت إسرائيل بشكل رئيسي بانفصاله عن شمال السودان في الآونة الأخيرة . إسرائيل ومن خلال تمكنها من غرس اقدامها في افريقيا وعلى ضفاف الاحمر تقوم باستفزازات متكررة للدول العربية وأخرها ضربة مصنع اليرموك السوداني الذي كان فخر الصناعة السودانية والذي حقق لها الكثير من الاكتفاء الذاتي . وكذلك لا يمكن تناسي ما يمثله توطيد علاقات الكيان بدول حوض النيل او ما يسمى بدول المنبع (إثيوبيا، وإريتريا، وكينيا، والكونغو) وذلك للضغط على مصر والسودان وتهديد الأمن المائي لهما، حيث يستهدف ما تقوم به إسرائيل من مشاريع عملاقة تهدف الى تقليل حصص دول المصب مصر والسودان . ومع كل هذا التهديد الذي يمثله التواجد الإسرائيلي في إفريقيا، فان العرب بعيدين كل البعد عما يجري هناك ،والى الان لم يقم مرسي بزيارة حتى الى جاره السودان والمتضرر الأكبر من التواجد الإسرائيلي في إفريقيا . والعدوان الصهيوني للسودان كان مستمرا منذ قيام الكيان الصهيوني في أرض فلسطين؛ حيث ورد في مذكرات آبائهم المؤسسين وخاصة مهندس دولة إسرائيل الذي رسم نظرية الأمن الإسرائيلي " بن غوريون" أنهم يتبعون سياسة محاصرة وتضييق الخناق للوطن العربي وتفكيكه من أطرافه بدعم الأكراد في أقصي الشمال والجنوبيين في جنوب السودان وتشجيع الأمازيغ في دول المغرب العربي والتحالف القوي وتوثيق الصلة مع شاه إيران في مشرق الوطن العربي؛ ليكون الوطن العربي في قبضتهم الحديدية، وكانت تهتم دائما الأمن القومي العربي وإضعافه وخلخلته وفي نصب أعينهم مياه النيل وإضعاف العمق الإستراتيجي لمصر ومحاصرتها من ناحية الجنوب. فالاستهداف الإسرائيلي للسودان ليس جديدا ولا وليد اللحظة بل اعترفت إسرائيل بدعم القوات المعارضة وقادة التمرد الأول، وقامت بدعمهم وإيوائهم منذ عام 1955م، وكانت إسرائيل حضنهم الدافئ والضرع الذي تدر ذهبا، وبلغ دعم إسرائيل لحركات التمرد ذروته في عهد الحركة الشعبية الحاكمة في دولة الجنوب ورئيسها آنذاك الراحل جون غرنق ربيب جوليوس نيريري عراب مشروع نشر المسيحية ورائد عمليات الصهيوأمريكية في القارة السمراء ويرئس تنزانيا الأسبق، والزيارة الأولي لسلفاكير بعد تنصيبه رئيسا للجنوب إلى إسرائيل كانت تجسد مدى عمق العلاقة والمحبة بين الطرفين، وقطعا كانت رسالة استفزازية لمصر وعمقها الإستراتيجي والتاريخي “السودان" والدول العربية والإسلامية الني كانت تمول وتدعم حركات التمرد السودانية. والاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على السودان ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة على الأغلب، فإسرائيل تواصل حرب المياه ومصادره النادرة، وجثمت اليوم على منابع النيل وفرضت رأيها معظم دول حوض النيل، وتوغلت في عمق القارة السمراء، وتكسب كل يوم أصدقاء جدد، وتؤسس قوى ناعمة لها تصدر إليهم منتجاتها ويكون لها السوق المستهلك لبضائعها، كل ذلك يحدث في غياب رسمي وشعبي للعرب والمسلمين حتى تحولت الدول التي كانت بالأمس القريب تؤيد القضية المركزية للعرب والمسلمين “فلسطين" تؤيد اليوم إسرائيل إما بالتلميح أو بصريح العبارة، وفي أحسن الأحوال يتساوى عندهم الجلّاد والضحية! وما هذا إلا لتقاعس العرب والمسلمين عن نشر أفكارهم والتودد لكسب قلوب الشعوب وتقوقعهم الداخلي وانشغالهم بسفاسف الأمور وضحالة المعرفة وتسخير إمكانياتهم للغير أو مما لا طائل تحته؛ مما حيّر العقول السليمة والضمائر الحية!. ومصنع اليرموك الواقع في جنوبالخرطوم يعتبر مفخرة للصناعة العسكرية السودانية، وكان شاهد عيان وشهادة شرف بالشوط البعيد الذي قطعته الصناعة الحربية السودانية والاكتفاء الذاتي الذي وصلت إليه القوات المسلحة السودانية في ظل الحصار الخانق الذي يعاني منه السودان حكومة وشعبا، ورغم ذلك لم يتوقف دواليب الحكم في السودان، ولم يجن الغرب أي مكاسب يذكر في حصاره للسودان، ولم تكسر شوكة هذا الشعب الأصيل؛ بل زادت له المحنة قوة وعزيمة وتمسكا بتعاليم دينهم الحنيف، وتأججت المشاعر ضد الغرب وبات السودان رمزا قويا ومعلما بارزا من معالم الإسلام؛ رغم كل “عوامل التعرية" السياسية والاقتصادية التي أصابتهم، وخطى السودان بخطوات ملموسة نحو الاكتفاء الذاتي في كل شيء تقريبا، وما ضرب المنشآت والمراكز المهمة للأمة السودانية العريقة والتي بنيت بعرق ودم هذا الشعب الصابر إلا صدى حقيقية للفشل الذريع والطريق المسدود الذي وصلت إليه الدبلوماسية والسياسة الغربية الهوجاء.