لا يزال الأستاذ إبراهيم سليمان، يتاجر من حيث يعيش في لندن من دون ورع، بقضايا الهامش السوداني ويتكسب بها في دوائر العالم الغربي المريب. وتجارة الأستاذ إبراهيم سليمان استغلالية رخيصة مهووسة. وآية ذلك أن الهامش الذي يتاجر به لم تكن له علاقة من أي نوع ظاهر أو خفي بموضوع مقاله السمج الذي كتبه في نقد كتاباتي. ولا أدري لم زج بموضوع الهامش السوداني فيه، وجعله منه عنواناً فرعياً له، اللهم إلا أن يكون إدمان المتاجرة بهذه القضايا المربحة في الغرب، وهو الإدمان المستولي على بعض الحرافيش من أمثاله من مثقفي المركز الأدعياء، هو الذي جره، من حيث لا يدري، إلى جلب هذه اللازمة البغيضة إلى عنوان مقاله من دون أن يبدو له أثر في لبه أو ثناياه. ولم يتمكن هذا الكويتب الدعي المدعو الأستاذ إبراهيم سليمان من الدفاع عمن هاجمته في مقالاتي التي يرد عليها، وهو المحامي بالباطل والمدعي بالبهتان المدعو الأستاذ بارود صندل رجب. واكتفى باستلال عبارات صغيرة من مقالاتي الأربعة في الهجوم على ذلك الشخص المفتري، وأسس عليها جل ترهاته التي سنستوفيها بالرد تباعاً. استهل الكويتب المزعوم مقاله، بالزعم أن القوم جميعاً «من هم هؤلاء القوم؟!» يمقتونني، وأنه لا يوجد منهم من يتصدى للدفْع عني. وأقول له رداً على ذلك، إن قضية الحب لا يهمني من أمرها شئ، لأنه لا تأسى على الحب إلا النساء، كما قال الرجل الذي خاطب سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه. وأما قول الكويتب إنه لا يرى أحداً يتطوع ليناصرني، ويدفع عني، فذلك قول حق. وتفسيره يسير على من له عقل يسير. ذلك أني لم أكن في حاجة إلى بشر يدفع عني أو ينصرني. وما رآنى أحد ممن عسى أن يتفقوا معي في رأي، في موقف ضعف أو عجز أو حاجة إلى نصرتهم في يوم. فقد استغنيت بحمد الله تعالى عن نصرة الأغيار، بعد أن ملكني الله تعالى لساناً صارماً لا عيب فيه، وبحراً لا تكدره الدِّلاء .. كما قال مفتخراً سيدنا حسَّان، عليه الرضوان، وهو يهجو أولياء الشيطان! والحمد لله تعالى أن لم يجعلني من الضعف بحيث استنصر بأحد إلاَّه عز وجل في علاه. والحمد لله تعالى أن لم يجعلني من شيعة الكتاب الماركسيين اليساريين الحداثيين التنويريين التبريريين، ولا من زمرة اليمينيين الرجعيين الفاسدين، الذين يستنصر بعضهم بعضاً، ويستذري بعضهم ببعض، فيما يسمونه بالحملات التضامنية، فلا تكاد تمس أحدهم بنقد عابر، إلا تطاولت عليك من قِبلهم أنفار صغار، من حشد كتائبهم الخائرة البائرة الخاسرة، حيث يختبيء كل فرد خلف الآخر، ويلوذ به، ويجره إلى الخلف، ليعطب منه الظلف، ويعرضه لمزيد من الخسف. ولأني كنت أعرف من قديم الزمان شيم هؤلاء الكتاب الضالين وخُلتهم، وأعلم نمط سلوكهم الذي يستهدف إرهاب من يختلف معهم في الرأي، فقد آذنتهم منذ نشر مقالي الذي استهدف صعق المفتري المجترئ الدكتور عبد الوهاب الأفندي، الذي دفعت به دوائر حزب المؤتمر الشعبي بلندن، ووكلته جماعات المعارضة المغتربة بعبء التصدي لي وإرهابي أدبياً بأني لن أستكين لإرهابهم، وأني سأبقى في انتظار ما يتقولونه ويختلقونه من إفك، وأني لن أتوانى في الرد عليهم وإخراسهم، وأني سألقاهم أقوى لقاء، سألقاهم وظهري مستند إلى الحائط، ويداي نظيفتان لم تتلوثا بعطايا ولا هدايا حزب أو شركة أو سفارة أو نظام. وأني سألقاهم وأُنفِذ إلى أسماعهم وقلوبهم كل ما في كنانتي من حديد سهام الكلام. وهذا وعد قطعته قديماً على نفسي، ولن أخلفه، بإذن الله تعالى، ولذلك ترى سياط الجلد جاهزة بين يدي لأبري بها ظهور المفترين المتقولين علي قول الزور، من أتباع سَنن عبد الوهاب الأفندي والخاطِئين الخطَّائين على نهجه المشين. وأحد هؤلاء وأحدثهم ومن أشدهم جهلاً وسفهاً هذا الذي يريد أن يستدرك علينا في جهدنا الدراسي الذي بذلناه في التتلمذ على كتب العقاد، الذي حسبت قبل سنوات قلائل في لحظة فراغٍ ضجِر، ما قرأته منها فأحصيت على أصابع يديَّ أكثر من سبعين كتاباً، بعضها قرأته مثنى وثلاث ورباع. وذلك دون ما قد أكون ذهلت عن استحضاره في تلك اللحظة الضجِرة. وبهذا أكون قرأت أكثر من نصف الكتب التي سطرها إمام الفكر العقاد. ثم برز إلينا سفيه آخر الزمان هذا، المدعو إبراهيم سليمان، الذي يبدو أنه لم يطلع مما يتعلق بشأن العقاد إلا على كتاب أنيس منصور ذي الطابع الصحفي «في صالون العقاد كانت لنا أيام»، وقام على إثر ذلك باتهامنا بعدم فهم فكر العقاد وقلة تذوق شعره، وهو ما تاحَ له أن يفهمه ويتذوقه رغم أنه لم يقرأ فيما يبدو ً من كتب العقاد. وهذه الدعوى الرعناء لا تستغرب إذا نظرنا إلى مصدرها الأصيل. فالكويتب قد دل على نفسه واحداً من الغوغاء الذين تربوا على أدب حزب المؤتمر الشعبي، ومن دهماء رجرجته، الذين نبتلى كل حين بجهلهم الفاضح، وتبجحهم الجامح، وخصامهم الفجور. وطريقة النقد التي يحبذها هذا الكويتب الخابط المتخبط من أفراد جوقة الجهل والتخبط الأعمى والضلالة العشواء، أن يلتقط مشاهد ومقاطع وصفية جزئية مبتسرة، من كتاب كتبه بعد وفاة العقاد بأكثر من عَقد من الزمان كاتب من الدرجة التاسعة، هو أنيس منصور، كما وصفه نزار قباني في سياق خصام قديم معه، ويستخدم تلك المشاهد المقتطعة في إدانة علَم الفكر الشامخ ورجل المواقف المبدئية الراسخة عباس محمود العقاد. هذا وكأن عظماء الرجال يمكن أن يحاكموا بمواقفهم الاستثنائية العارضة، ثم يدانوا ويؤاخذوا بنمط الأخطاء التي لا يخلو ولا يسلم منها الآدميون. قال كويتب طائفة المؤتمر الشعبي، وهو يسم العقاد العظيم بالإثم العظيم: أورد أنيس منصور ... «لقد تغيرت أشياء كثيرة في صالون الأستاذ .. بل وجدت شيئاً عجيباً.. أن سيدة قدمت للأستاذ سيجارة. أشعلتها ثم أعطتها له.. أي وضعت السيجارة في فمها وأشعلتها وعليها بقايا أحمر الشفاه، ولم يتردد الأستاذ لحظة في أن يضعها بين شفتيه شاكراً». ويضيف:«دخلت لأول مرة آنسة اعتنقت الفلسفة الهندية الصالون، وهاجمت العقاد بعنف ولما فرغت قال لها: «أنت تزوجت ولم تكوني سعيدة في هذا الزواج»، وكانت مفاجأة واضطربت الزميلة ولم يشأ الأستاذ أن يتركها تمتص هذه المفاجأة ولكنه بسرعة قال: «لاحظت ذلك في يدك اليسرى. فما يزال أثر الخاتم غائراً في أصبعك.. كما أن بعض الترهل عند خصرك كما أرى من قميصك.. ربما حملت وأجهضت...»، منذ متى أئمة الهدى يكيّفون خصور الآنسات، وكيف يكون مثل هذا التعليق سلوك الدعاة لو لا توهان د. وقيع الله». فهذا الكويتب التائه ذو الموازين المزدوجة المطففة، الذي لا يرى في سلوك زعماء حزب المؤتمر الشعبي الضالعين في خيانة الإسلام والوطن والحركة الإسلامية انحرافاً، والذي لا يرى الأخشاب المتلبدة التي تقذي عيون قادة حزب المؤتمر الشعبي، رأى بدقة فائقة قشة صغيرة علقت بعين العقاد العظيم، وذلك فقط لأنه دخن سيجارة تلقاها من يد امرأة! وكأنما قال منطق هذا الكويتب الأثيم إن دم السودانيين الوفير الذي سفكته «شبيحة» حزب المؤتمر الشعبي، من عصابات العدل والمساواة، في دار فور، وأم درمان، دم لا قيمة له، ولا حرمة في سفكه، وإنما تتجلى الحرمة، كل الحرمة، في دخان سيجارة ينفثه صدر العقاد! وأما المثال الثاني الذي استشهد به كويتب الشعبي الغبي فلا أدري أي شيئ فهم هو منه، وقد كان مثلاً نصبه الأستاذ أنيس منصور للدلالة على قوة ملاحظة العقاد، واقتداره على تحليل نفسيات المنحرفين من أتباع المذاهب الضالة. فهذه المتخلفة المتحذلقة التي هجرت ديانتها، وجاءت تتهادى إلى دار العقاد لتبشر بمبادئ الفلسفة الهندية، استطاع إمام الفكر العظيم أن يسبر غور شخصيتها، ليهتدي إلى سر انحرافها، وسبب تبديلها لدينها، وقام بتنبيهها بلطف إلى أنها انحرفت عن دينها القويم وتردت في مهاوي الديانة الهندوسية، لا لسبب عقلي وجيه، وإنما لسبب عاطفي يتصل بأمر إجهاضها لطفلها وطلاقها من زوجها! وهذا ما أبان عنه أنيس منصور جلياً حين استعرض القصة في كتابه، ونبه إليه نظر القراء. لكن لم يفهم هذا القارئ الغبي، الذي يبدو أنه يقرأ بعين السخط وحدها، من القصة إلا أن الأستاذ العقاد كان يحدق ملياً في خصور الآنسات. والغريب أن الأستاذ أنيس منصور ذكر في كتابه، وفي السياق ذاته، أن العقاد لم يحدق في خصر السيدة «وهي سيدة وليست آنسة كما زعمت يا قارئ حزب المؤتمر الشعبي الغبي وكويتبه صفيق الذهن!». وقال إن العقاد لم يكن ينظر إلى السيدة، وهي تهرف بأقوالها، وإنما رمقها بنظرة واحدة، خاطفة، اختطف به من أعماقها السر الدفين!