لا يختلف اثنان أن اللحظة التي أعلن فيها استقلال السودان من داخل البرلمان كانت لحظة من تلك اللحظات التي تجد نفسك في مفترق طرق ويكون عليك الاختيار بين اتجاهين قد نفضل الطريق الأكثر وعورة ولكنه الآمن والمستقبلي وهذا ما حدث في ذلك اليوم. قبل الاستقلال كانت الحكومة هي الاتحادية والتي كانت تسعى للاتحاد مع مصر اسوة بكل الحركات التي ناهضت الاستعمار، كان الاتحاد مطلبها الاول وعرفت تلك الفترة بما يعرف بالحكم الذاتي والتي من المفترض ان يتم في نهايتها استفتاء تكون نتيجته الاتحاد مع مصر وكانت الخطوات تسير وفقًا لهذا المخطط قبل ان تحدث تطورات تجعل ارادة الشعب تنتصر على كل الرغبات وهذا الذي جعل السودان ينال استقلاله كاملاً بدلاً من الاندماج مع مصر. محاولة اغتيال عبد الناصر ويرى اعلاميون معاصرون لتلك الفترة ان يتولى الازهري رئاسة الحكومة في تلك الفترة من يناير 1954 وهي نفس الفترة التي كان مسؤولاً فيها عن ملف السودان في مصر صلاح سالم الذي كان وزيرًا للارشاد القومي وفي نفس الوقت كان يدير كل الاجهزة الاعلامية بما فيها الراديو وهو الرجل الذي كان له دور كبير في اختيار السودان الاستقلال بدلاً من الاندماج.. يقول البروفسور على شمو رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات ل«الإنتباهة» الاحداث في مصر وقتها لم تساعد كثيرًا في الاندماج وهو ما عكسه الإعلام السوداني للشعب حتى كون رأيًا عامًا رافضًا للاندماج مع مصر فالشعب المصري وقتها كانت له مشكلات مع الحكومة نفسها والثورة كان لها اعداء في مصر من بقايا الاحزاب والمؤسسات والعمال وتاريخيًا الشعب المصري لم يلتف حول الثورة الا بعد تأمين القنال في اكتوبر 1956 واصبحت هناك ضغوط من الشعب السوداني خصوصًا بعد محاكمات الاخوان المسلمين هناك وحادثة المنشية التي كان فيها محاولة اغتيال لجمال عبدالناصر فلم تكن الاجواء السياسية مشجعة للسودان ليندمج مع مصر فاختار الاستقلال ومارس ضغطًا على الازهري حتى اعلنه من البرلمان». ضغوط على الأزهري بدأت الضغوط على الازهري من مختلف الاتجاهات من الحزب الاتحادي نفسه والشارع العام والهيئة البرلمانية وضباط القوات المسلحة والصحافة والاذاعة لعبت دورًا كبيرًا لتهيئة الجو للاتجاه نحو الاستقلال وعملت كعين للشعب على كل التفاصيل الدقيقة التي ينشرها الاعلام المصري الذي شن حربًا شرسة على الاعلام السوداني مررها لشعبه الذي اصبح ناقمًا على السودان والازهري بسبب ما يعكسه له الاعلام المصري، وبالمقابل كان الشعب لا يعرف ما يدور في الاروقة الداخلية للسودان لان الاعلام محلي على عكس السودان الذي كان يتابع الاعلام المصري وفي نفس الوقت يتابع اعلامه بشغف وخصوصًا برنامج حديث الاربعاء الذي كان يقدمه ابوعاقلة يوسف وتبثه اذاعة ام درمان، وكان الشعب ينصت له بترقب ليستمع الى ردود ابوعاقلة على ماتقوله الاذاعة والصحافة المصرية. شائعة سبقت الحدث وكان الازهري حتى ذلك الوقت يرى ان الامور تسير نحو الاستفتاء ولكن حدث في جلسة 15-ديسمبر لمجلس النواب في البرلمان ان فجر نائب وصفه الأستاذ علي شمو بالمشاغب وقتها الشيخ الوقور يعقوب حامد بابكر الذي وجه سؤالاً للازهري بوصفه وزير داخلية بالاضافة لرئاسته لمجلس الوزراء حول الاشاعة التي تقول ان الحكومة تتجه الى اقامة منطقة عسكرية في حلايب؟ والازهري الذي نفى لم ينج من الاسئلة الفرعية التي صاحبت ذلك السؤال.. الازهري رد بشكل حاسم حول هذا الموضوع، واكد ان مهام حكومته تقتصر على تهيئة الشعب للمرحلة القادمة والجلاء والسودنة وانشاء حامية عسكرية مهمة الحاكم العام وحكومته انهت المهام التي عليها اصلاً. ولكن الازهري وجد نفسه محاطًا بضغوط عظيمة والشعب محتقن تجاه الاندماج لذا اعلن في تلك الجلسة انه سيعلن الاستقلال من داخل البرلمان في جلسة يوم الاثنين القادم 19ديسمبر1956.. أحداث مهَّدت الطريق ويرى البروفسور علي شمو ان اسباب جنوح السودان نحو الاستقلال كانت بسبب سياسات صلاح سالم نحو السودان ولولا هذه التصرفات التي عبّأت الشعب وضغطت على الحكومة لكانت الامور متغيرة تمامًا الآن وكانت ستتجه نحو الاندماج مع مصر لولا الرأي العام لما كان الاستقلال ابدًا، والمصريون ينتقدون الازهري لانه اعلن الاستقلال ويرون انه تنكر للوحدة لكنه ما كان ليفعل غير ذلك وقتها.