صديقي عاطف مصطفى، مصري الجنسية وسوداني الطبع والمزاج.. تحدث معي حول الإمكانات الضخمة والثروات الكبيرة التي يملكها السودان ولكنها تظل بِكرة لا تجد من يستغلها على الرغم من سهولة الاستفادة منها.. ويبدأ صديقي المصري وعلى طريقة إخواننا (أولاد بمبة) في الكلام بقوله (يا عمّي والنّبي ده حكومتكو غلبانة ومغبونة منكو) وأسأله أن يشرح كيف أن حكومتنا مظلومة ومغبونة مننا. فيقول إن الحكومة التي تستطيع أن تستخرج البترول وتبني الطرق بآلاف الكيلومترات وتقيم السدود وتبني خزان مروي وترفع خزان الروصيرص تحت الظروف التي نعرفها لا بد أنها حكومة قوية ظلت تحفر في الصخر ويستدرك قائلاً (لا يعمي دي مش تحفر في الصخر وبس دي آعدة تحفر في المية) وأسأله مزيدًا من التفصيل فيقول إن حكومتكم كان يحاربها القذافي ويستضيف أعداءها ويمول كل من يقدر على حربها وحكومتكم كان يعاديها حسني مبارك ويعاكسها ويقاومها وتعاديها الكثير من دول الجوار بأمر من أمريكا ودول الغرب، وحكومتكم تقاومها أحزابكم المعارضة والحركات المتمردة وتقف حجر عثرة في طريق تقدمها ومع كل ذلك تستطيع أن تنتج بترولاً وتفعل ما فعلت في ظل حصار دولي معلن وحصار عالمي مستتر وتحت كل هذه الضغوط تخرج سالمة من كل مأزق فهي بالقطع إما أنها تملك سحرًا أو أن الله يسير أمرها أو أن معها شيطاناً أو عندها كجور.. ويستغرب صديقي المصري كيف أننا نملك كل هذه الإمكانات الزراعية الهائلة ولا نستطيع أن نحول بلدنا إلى سلة لغذاء العالم وهو واقع عملي وحقيقة لا ينكرها أحد، ففي بلادنا خمسون مليون فدان تستزرع بالري المطري وكل فدان كان يجب أن ينتج في حده الأدنى ألف دولار فقط وهذا يعني أن هذا القطاع يجب أن يوفر دخلاً قومياً لا يقل عن خمسين مليار دولار. وفي بلادنا أكثر من عشرة ملايين فدان يمكن استزراعها بالري النيلي وكان يجب أن يعود الفدان الواحد بأكثر من ألفي دولار في كل العام وهذا وحده كان يجب أن يعود بأكثر من عشرين مليار دولار ولكننا كمواطنين تعودنا أن ننتظر من الحكومة أن تطعمنا وبالملعقة في أفواهنا وأن توفر لنا السكن والمأوى والأكل والشرب وأن تحفظ أمننا وتحرسنا وتسهر على راحتنا وأن توصل لنا المياه في بيوتنا وأن توصل لنا الكهرباء في شوارعنا ثم تدخلها في بيوتنا وننتظر من الحكومة أن تلبسنا الثياب وتدخلنا المدارس والجامعات. وعلى رأي صديقي المصري لم يبقَ غير أن نطلب من الحكومة أن (تشطفنا وتليفنا) ولهذا فإن الحكومة مغبونة ومظلومة.. ويأتي غبنها من كون أننا (نكسل) في مساعدتها بترتيب أمورنا واستغلال مواردنا. ودعونا الآن نبدأ من جديد ونقول إننا ونحن نستشرف عهد الجمهورية الثانية والتي تمتاز بوفرة الموارد وتوحد الهوية وحيث إن قضية الهوية قد حسمت تماماً فقد صار لزاماً علينا بعد تخلصنا من سلاسل الجنوب وأغلاله وقيوده التي كبلتنا زمناً طويلاً أن نشد الأحزمة ونشحذ العزيمة ونقوي الإرادة ونعمل على إنفاذ برنامج قومي واقتصادي يعتمد على نهضة زراعية تستدعي الإمكانات والاستثمارات العربية والإسلامية وعلى الجميع أن يستهدفوا الخروج من النفق الضيّق عن طريق برنامج النهضة الزراعية المطروح الآن والذي يسعى إلى استنهاض الهمم وتكريس الجهود عند المنتجين وأصحاب المهن وأصحاب الفكر المستنير ليؤسس إلى ثورة زراعية تطرد الكسل والتراخي الذي عرفنا به وتغرس فينا مفهوم المبادرة والمبادأة والهمة العالية. وها هي الحكومة قد دشنت لنا في يوم الاستقلال أكبر مشروع لتعلية الخزان يوفر مليوني فدان ومليارات الأمتار من المياه. وأشكر صديقي عاطف المصري وأسوق إعجابي بالشعب المصري ومنتجيه وأشيد بالاهتمام الذي يولونه للزراعة في كل شبر. حتى إنهم زرعوا رمل الصحراء الأصفر وحولوه إلى خضرة دائمة، هذا على قلة المساحة المتاحة عندهم والتي لم تزد عن ستة ملايين فدان منذ عهد محمد علي باشا وحتى عهد أنور السادات ولكن المزارع المصري والذي يقيس المساحة (بالإيراط) وهو لا يزيد عن ذراع من الأرض النيلية يزرعونه أربع مرات في العام بينما نعجز نحن عن تطوير ستين مليون فدان جاهزة أصلاً ومائتي مليون فدان قابلة للزراعة مع توفر المياه في النيل وفي السماء وفي باطن الأرض ومع كل العقول وشهادات الدكتوراة وخريجي الزراعة الذين يبلغ عددهم أكثر من ثمانين ألف خريج زراعة وعلى طريقة المصريين نقول (آدي ربنا وآدي حكمتو.. يدي الحلق للي مالوش ودان) وفعلاً حكومتنا مغبونة ومظلومة وغلبانة.. (أدِّّي كده آهو) كسرة: مازال الجنوبيون يهاجمون حدودنا مع دارفور.. ويوم أول أمس قتلوا كثيرًا من أهلنا المسيرية وما زالت حكومتنا ترى أنه من الممكن التوصل إلى حوار آمن.. يا جماعة الناس ديل إلى الآن لم يقتنعوا بأنهم (استقلوا) و(تحرروا) من المندكورو.. إنهم ما زالوا يظنون أنهم متمردون علينا.. ولا يستطيعون أن يفهموا أن أمريكا ما عندها ليهم (ولا تعريفة) وما زالوا ينتظرون الخلايا النائمة حتى تساعدهم على تدمير السودان وينتظرون المنظمات التي تتعامل مع المخابرات الأمريكية.. ولهذا فالأجدى أن نتفاوض مع الأمريكان مباشرة ومع رايس بدلا من سلفا كير.