عندما هاجم إمام وخطيب مسجد أبو سعد محمد المصطفى، أحد الزملاء الصحافيين الذي كان قد انتقد أسلوبه في الخطابة، قال المصطفى الذي وصف الصحافي ب «الأصلع»: «أنا عارف الأصلع قاعد جوه المسجد الآن، ولو عاوز أطلعو قدامكم هسع بطلعو»، في حين كان الزميل المعني وقتذاك يؤدي صلاة الجمعة في مسجد آخر. خرج تلويح مشابه من بين أسنان مدير جهاز المخابرات الأسبق صلاح قوش قبل سنوات قلائل، عندما شن هجوماً ضارياً على عدد من الصحافيين متهماً مجموعة منهم لم يسمها بتلقي مبالغ مالية من منظمات وسفارات أجنبية بالخرطوم، ووصفهم بأنهم مجموعة بسيطة وغريبة على الوسط الصحفي. ودعا لبترها. والأدهى والأمرَّ أن قوش أكد رصدهم لتلك المجموعة، وأنهم معلومون بالنسبة لهم، ما دفع الكاتب الصحفي الهندي عز الدين للتصدي له مطالباً إياه بالكشف عنهم حتى لا يؤخذ بقية الصحافيين بجريرة المتخابرين، وها هي الأيام تدور ليأتي النائب الأول علي عثمان محمد طه، ويكرر ذات الحديث بكشفه عن ضلوع منظمات مجتمع مدني سودانية في التخابر مع أمريكا، مؤكداً تلقيها أموالاً منها. لكن ثمة فرقاً بائناً بين حديث طه وقوش. أولاً، أن النائب الأول حدد وجهة جديدة تقبض أموالاً، هي منظمات مجتمع مدني، وحدد الجهة التي تمنح الأموال وهي أمريكا، بعكس قوش الذي عمم الجهة المانحة، فضلاً عن أن علي عثمان كان أكثر دقة بتحديده للجهة الواهبة داخل أمريكا ممثلة في جهاز مخابراتها، ما يعني أن الأمر أكثر جدية من سابقه. كما أن طه وعد بنشر أسماء تلك المنظمات قريباً، بل وأصدر توجيهاً بذلك إلى وزير الإعلام حمل تهديدات، بعكس قوش الذي التف حول الأمر. وكانت «الإنتباهة» قد نشرت تقريراً خاصاً في 22 أغسطس الماضي كتبه الصحافي الأمريكى أيرك دريتسر تعليقاً على المظاهرات المحدودة التي شهدتها الخرطوم وقتذاك، وقال: «الناظر إليها نظرة فاحصة عريضة يجد أنها ثمرة ملموسة لحملة صُممت بعناية لخلق عدم استقرار، استُخدمت فيها بعض الأحزاب السياسية ومجموعات مجتمع مدني ومنظمات غير حكومية وممولين غربيين». وحوى التقرير أسماء جهات سودانية تتلقى تمويلاً عن طريق الخارجية الأمريكية والمخابرات الأمريكية في السودان، مثل مركز الخاتم عدلان «الباقر العفيف» الذي يتقاضى «43050» دولاراً أمريكياً سنوياً من الخارجية الأمريكية وحدها، ومركز «أمل» لضحايا التعذيب الذى يتقاضى «31370» دولاراً سنوياً «ألغي تسجيله أخيراً لأنه كان يختلق قصصاً يدعم بها المحكمة الجنائية ويديره شيوعيون من لندن». ومركز «الجندرة» للبحوث والتدريب الذي يتقاضى «46000» دولار وتديره شابة متهمة بالشيوعية اسمها نعمات كوكو. ومركز «التوثيق والمحاماة» الذي يتقاضى«64040» دولاراً سنوياً، و«المركز القومي للسلام والتنمية» ويتقاضى «75540» دولاراً سنوياً، ومركز «الدراسات السودانية»« د. حيدر إبراهيم» الذى يتقاضى «60400» دولار، وأغلقته السلطات الشهر الماضي بأمر من وزير الإعلام بتهمة استلام أموال من جهات أجنبية لإسقاط النظام. وغالب تلك الأموال تقدم بواسطة الصندوق الوطني لنشر الديمقراطية، وهو ذات المؤسسة التي قامت بتقديم الملايين من الدولارات لجمعيات ومنظمات وسياسيين مصريين، منهم مركز «ابن خلدون» الذي يديره الناشط سعد الدين إبراهيم، والمركز «العربي» لاستقلال القضاء، ومركز «الأندلس» لدراسات التسامح ومناهضة العنف. وقدم الصندوق جوائز لسياسيين وصحافيين مصريين على اتصال لمدى سنوات بالسفارة الأمريكية، أيدوا غزو العراق، وضرب إسرائيل للبنان عام 2006 مثل الناشر المصري هشام قاسم الذي يشغل منصب رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان. الواضح جداً من تلك الدعومات هو السعي للإطاحة بالأنظمة التي تضعها واشنطن في خانة العدوة. وكان دريتسر قد ذهب إلى اتهام د. الترابي بالتنسيق مع الصندوق الوطني لإسقاط النظام في الخرطوم. وقال إن أمريكا وشركاءها الغربيين يسعون لتغيير النظام بالسودان لقطع الطريق على الصين التى تشكل عائقاً أمام الهيمنة الأمريكية على إفريقيا. وفيما يبدو، أن الحكومة لم يعد أمامها خيار سوى فضح تلك الجهات التي باتت تقلقها وتسعى لخلخة النظام وتطبيق الخطة الأمريكية، ولذلك جاء حديث علي عثمان صريحاً، كون أن الرجل لا يناور مثلما فعل قوش، ويتعامل مع مثل هذه المسائل بتوفر حيثيات ووقائع، فهو قانوني قبل أن يكون سياسياً، لكن على كل حال، فالخطوة ستكون لها ما بعدها.