في أوائل سبعينيات القرن الماضي وعندما لم يكن الناس في الشرق الأوسط يعرفون «الكميرا الخفية» كنت أنا قد اخترعت مواقف كهذه: في بعض المجالس التى تضمك مع أصدقائك مجال واسع للثقالة وخاصة مع الذين يحبون رواية النكت والطرائف ... فهناك ناس دمهم خفيف وبتاعين نكت وظرائف ... ولكنك تستطيع ان تتثاقل عليهم الى حد بعيد. ففي احد المجالس ... ابتدأ احد الظرفاء يروي نكتة فقال: واحد في مستشفي المجاذيب ... وقاطعته قائلاً: واحد ولا اثنين ؟ ها ... ها .... قال: اسكت يا بايخ واحد في مستشفى المجاذيب ... قلت: مقاطعاً: لكين هنا في مستشفى بتاع مجاذيب.. قال: ابداً الحكاية دى مش هنا ... الحكاية دى حصلت في حتة ثانية. قلت: ها ... قال: واحد في مستشفي المجاذيب جو عشان يخرجوه .... الا أن الدكتور قال لأهله خلاص الزول بتاعكم بقي كويس... فقام المجنون وقال للدكتور: طيب انا عايز أسالك سؤال؟؟ يا دكتور.. الماسورة دى بت منو ... واستغرب الدكتور جداً وقال ليه: ما فاهم كيف الماسورة بت منو؟؟ المجنون قال للدكتور لا ... لازم توريني ولو ما عارف قول ما عارف ..... الدكتور قال ليه: طيب انا ما عارف قام المجنون قال للدكتور: يا عوير الماسورة بتنقط ... » .... بت ...... نقط » وقبل ان يضحك الأصدقاء وبمنتهى البرود والتبلد قلت مقاطعاً: اها والدكتور قال ليه شنو؟؟ وتجمد بيان الاخ المنكتاني ولم يكن يتوقع مثل هذا السؤال لأنه لا يعرف له اجابة قال: الدكتور يقول ليه شنو ما هو كلام والسلام... قلت: كلام والسلام كيف؟ ... مش انت قلت انو المجنون قال للدكتور الماسورة بتنقط. قال: ايوه . قلت: طيب الدكتور كان شعوره شنو؟؟ وتضايق الاخ جداً وقال بكل نرفزة: يا اخي الحكاية نكتة وبس ... مالك عايز تعمل لينا فيها تحقيق. قلت: نكتة بتاعة شنو؟؟ قال: الله ... بقول ليك نكتة تقول لى نكتة بتاعة شنو؟؟ يا اخوانا الحكاية شنو. قلت: يعني الحكاية نكتة ساكت ... يعني ما حصلت؟ قال: ايوه ما حصلت ... قلت: طيب نعتبر انها ما حصلت لكين تفتكر انو ما ممكن تحصل؟ قال مغتاظاً: يا اخي تحصل ما تحصل ... ما تسألني امش أسال ابو داود. قلت: ابو داود منو؟؟ قال: ابو داود الفنان ... قلت: طيب والدخل ابو داود هنا شنو؟؟ قال: هو الاخترع النكتة دى ... قلت: وقد ظهرت عليّ علامات الفهم ... ايوه ... يعني انت سمعتها من ابو داود ... قال: ايوه ... دا ايه دا؟ ... قلت: طيب وأبو داود قال شنو؟؟ قال وقد كاد ان ينفجر: يا اخي يقول شنو؟؟ ما قلت ليك ابو داود قال النكتة دى وخلاص. قلت: يعني قال النكتة وخلاص وما قال اى نكت اخرى ... وصمت الزميل صمتاً لئيماً جعلني احاول ان ابحث عن موقع آخر ... لأتثاقل منه وحاول احد الزملاء ان يخفف حدة الموقف ... فقال: يا اخوانا ليه صارين كدا ... انسوا القصة دى وخلونا نتونس ... اسمع وقال موجهاً لى الكلام: انت ما سمعت بالنكتة بتاعة واحد عايز يقطع البحر قطع اصبعه. قلت بكل عبط وبلاهة: بس هو معقول يكون عايز يقطع البحر يقطع اصبعه دا كان وين؟؟ قال: يا اخي دى نكتة ... انت اصلك ما سمعت نكت طيب اسمع واحد قالوا ليه جاك جواب من افريقيا الوسطى. قال ليهم بنين ولا بنات؟؟ قلت ايضاً بكل عبط وبلاهة وانا لم يشرق وجهى بابتسامة بل ظل عابساً كاظماً شاضماً: بنين ولا بنات يعنى شنو؟ .. هو معقول يقول ليهم كدا ... اصلو الحكاية شنو؟ شوف دا بالله ما تستهبل روح كدا ... لاحظ ان استعمال الكلام نفسه يجب ان يدل على عباطة متناهية لانك بعد مرحلة العباطة والبلاهة تنتقل الى مرحلة الثقالة الحقيقة وهى مرحلة متقدمة ولا تصلها الا بالمثابرة والمران والله الموفق. ولكن الاخ لم يفقد الامل في انه يستطيع اضحاكي فظل يواصل جهوده الضائعة وهو يقول: يا اخي ما تكون بايخ نحنا بنقول نكت ... عايز تعمل لينا فيها فلقة ... اسمع واحد بوليس حركة واقف في الصينية اتملى ملوخية ... ها ... ها ... وطبعاً لم اضحك بل بكل برود العالم قلت: له: اها بعد ما اتملى ملوخية مشى وين؟ قال بضجر: وين يعني شنو؟ قلت: مش انت قلت انو اتملى ملوخية؟ قال: ايوه ... قلت: وبعدين «مشى» غسل هدومه وبعد داك ولا كان واقف بيهم في الصينية؟ وطبعاً لم تفلح جهود الاخ في افهامي ان الموضوع كله نكتة وبس ولا يصح ان اذهب ابعد من ذلك لتغيير ملابسه ام لا .... اذ ان الموضوع برمته نكتة فقط لا غير .. وهنا لا بد ان افعل شيئاً وقلت للجماعة: خلاص ما دام كدا كلنا ان شاء الله ننكت: اسمعوا ... واحد قريبنا الليلة جا من السفر. ولم يضحك اى واحد منهم ... وقلت بكل بلاهة . ليه ما عايزين تضحكوا ماهو دى نكتة زى بتاعتكم: وقال احدهم وهو يغلي من الغيظ: زى بتاعنا بتاعة شنو ... يا اخي .... تقول واحد قريبك جا من السفر دى فيها شنو؟ ... وريني النكته هنا وين هنا ... ؟ وقلت متحدياً: طيب انت وريني النكتة وين في واحد عايز يقطع البحر قطع اصبعه: وقال الزميل وهو في غاية التعب: اسمع في حاجة اسمها المفارقة النكتة دى فيها مفارقة ... النكتة بتاعتك ما فيها مفارقة... وقلت: شوف بالله دا ... المفارقة هسع وين هنا؟ ما خلاص اذا النكتة بتاعتك فيها مفارقة انا برضو نكتتي فيها مفارقة. قال الاخ بتبرم: طيب ورينا المفارقة وين هنا ... قلت: المفارقة انو واحد قريبي جا من السفر بعد ما «فارق» اهله ... وهنا قال الاخ: يا اخى ان شاء الله تفارق عقلك اكثر من كدا ... يا بني آدم دى حكاية ما بتضحك ابداً ... واحد قريبك جاء من السفر يعني شنو؟ قلت: يعنى واحد قريبي جاء من السفر ... قال: طيب نحنا نفهم شنو عشان نضحك.. قلت: وطيب انا أفهم شنو عشان اضحك من حكاية عايز يقطع البحر قطع اصبعه. قال: يا اخي انت مش عايز تفهم ... قلت: انت المش عارف تفهم ... انا اقول ليك نكتة زي دي وانت لا تفهمها لا تضحك ليها ... طيب انا اضحك للنكت بتاعتك ليه؟ .. هى الحكاية فوضى ولا عشان الواحد جاء عشان يتونس معاكم تقوموا تستبدوا عليه ولا عشان قايلين الواحد اقليمي وانتو اولاد الخرطوم بس البتعرفوا تنكتوا... وتدخل احدهم وهو يقول: يا ابن العم القصة دى ما فيها اى حاجة وما جابت ليها اولاد خرطوم ولا اولاد اقاليم على اى حال النكتة بتاعتك كويسة جداً وانا معجب بيها جداً ... قلت: النكتة ياتي؟؟ قال: النكتة بتاعتك طبعاً؟ قلت: عايز اسمعها اصلو قبال كدا ما سمعتها؟ قال: سبحان الله ... انت القلتها ... تجي تقول ما سمعتها ... قلت: ايوه.. وهنا انفجر الشخص الاول وهو يقول: يا اخي دا راجل ثقيل وبايخ ويلا يا اخوانا من هنا ... وخليك مع قريبك الجا من السفر دا ... وانصرفوا وهم يلعنون اليوم الذى جمعنا سوياً. «هذا قبل أربعين عاماً.. تقولي شنو وتقول لي منو؟».