وهكذا بدأ عرش الحركة الشعبية يهتز بمجرد أن تحرَّك الهواء من حوله فماذا بربِّكم يحدث إن تحوَّل الهواء إلى هبوب وأعاصير؟! (ثوار الحرية) بالرغم من أنهم يُعانون من شُح في التسليح والتشوين يدكُّون الآن معاقل جيش الدينكا في عدة مناطق من جنوب السودان بل إنهم يهدِّدون الجيش الشعبي في ولاية الدينكا (واراب). قوات مؤلَّفة من فصائل عسكرية ومليشيات وشباب من قبيلة النوير التي يمارس الدينكا عليها أبشع صنوف الإقصاء والتهميش بالرغم من أنها لا تقل من حيث العدد من قبيلة الجيش الشعبي (الدينكا).. تلك القوات هي التي تقضّ مضجع الحركة والجيش الشعبي مما جعل سلفا كير يستنجد بتعبان دينق ويلطم الخدود ويشق الجيوب. القبائل الاستوائية التي بدأت التمرُّد في توريت وغيرها منذ خمسينات القرن الماضي بدليل أن من قاد حركة الأنيانيا والحركات المتمردة الأولى كانوا من الاستوائيين بمن فيهم جوزيف لاقو الذي وقَّع اتفاقية أديس أبابا عام (1972م) مع الرئيس نميري والذي ينتمي إلى قبيلة المادي القليلة العدد.. أقول إن القبائل الاستوائية الغاضبة من تغوُّل الدينكا وقيادات الحركة والجيش الشعبي على مدينتهم جوبا العاصمة تتململ الآن وتُعِدُّ العدّة للانخراط في التمرُّد على حكم الجيش الشعبي وقبيلته التي تحكم الجنوب الآن بالحديد والنار. في معارك واراب التي لا تزال على أشدّها قُتل مئات الأفراد من الجيش الشعبي وأعلنت القيادة العامَّة لتحالف ثوار الحرية الذي أنشئ مؤخراً مسؤوليتها عن الهجوم الذي استهدف ثلاث مناطق في واراب. معظم الشباب الذين شنُّوا الهجوم على واراب يتبعون لمليشيات تنتمي إلى قوات الفريق جيمس قاي الذي كانت الحكومة السودانية قد اعتقلته في الخرطوم في اليوم التالي لتوقيع اتفاقيات أديس أبابا بينما لم تفعل حكومة الجنوب شيئاً ولم تنفِّذ حرفاً من تلك الاتفاقيات، بل ظلت تدعم قطاع الشمال التابع لها والقوات المتمردة الأخرى بما فيها الحركات الدارفورية.. وما ال (25) جراراً المحمَّلة بالأسلحة الثقيلة والدبابات والتي أُعلن قبل خمسة أيام عن تحرُّكها من منطقة طمبرة بغرب الاستوائية نحو الحدود السودانية المتاخمة لولاية شمال بحر الغزال دعماً للجبهة الثورية إلا قليل من كثير ظل الجيش الشعبي يزوِّد به عملاءه من المتمرِّدين السودانيين. ولاية جونقلي هي الأخرى ظلت ولا تزال تخوض معارك ضارية ضد قوات الجيش الشعبي بالرغم من التنكيل الذي يمارسه على المواطنين لدرجة أن صحيفة (مترو) الهولندية تحدَّثت عن إلقاء الأطفال في النيران المشتعلة!!. الشائعات التي سرت عن إطلاق السلطات السودانيَّة سراح جيمس قاي تزلزل كيان الجيش الشعبي فالرجل يُعتبر مع الفريق ياو ياو أشرس المقاتلين الذين يشكِّلون خطراً كبيراً على الجيش الشعبي وحكومة سلفا كير وتعتبره قيادة الجيش الشعبي في خطورة الفريق أطور الذي أفلحوا في قتله بمؤامرة دنيئة من الرئيس اليوغندي الذي دعاه للتفاوض وغدر به بالتواطؤ مع حلفائه في الجيش الشعبي. حكومة السودان ترتكب خطأ فادحاً إن ظلت تتصرَّف وكأنَّ ما يحدث في الجنوب مسألة داخليَّة تخصُّ الجنوب ولا تعنيها في شيء فوالذي فطر السماوات والأرض إن الأمر ينبغي أن يعنيها بأكثر مما يعني ياوياو وجيمس قاي وغيرهما من (ثوار الحرية) الذين ضاقوا ذرعاً بالقهر والتسلُّط الذي يمارسه الدينكا وحكومتُهم وجيشهم الشعبي على شعبهم ودولتهم الجديدة تماماً كما ضاق جوزيف لاقو قديماً حينما ضغط على الرئيس نميري لتعديل اتفاقية أديس أبابا وتخليص شعب الجنوب من طغيان الدينكا الذين وجدوا في توحيد الجنوب حينها تحت سلطتهم فرصة لقهر الشعوب والقبائل الأخرى. الآن حكومة الجنوب وحلفاؤها الأفارقة بقيادة المتآمر الأكبر ثابو أمبيكي ومفوضية الإتحاد الإفريقي والإدارة الأمريكية ممثلة بمندوبتها في مجلس الأمن سوزان رايس يسابقون الزمن من أجل الضغط على الحكومة السودانية للإذعان لقرار التفاوض مع قطاع الشمال من خلال اعتماد اتفاقية نافع عقار (أو نيفاشا 2) التي ستبدأ الحركة الشعبية بها مسيرة جديدة في إطار إنفاذ مشروع السودان الجديد شبيهة بالفترة الانتقالية التي استطاعت الحركة الشعبية خلالها المشاركة في الحكومة مع قيادة المعارضة الشمالية (الغبيانة) وتمكَّنت من خلخلة نسيجنا السياسي والاجتماعي وأحالت السودان الشمالي إلى منطقة ضغط منخفض سهلة الاختراق ولولا توفيق الله والمقاومة الشرسة التي شنَّها بعضُ المخلصين من أبناء هذه الأمة لتحقق مشروع السودان الجديد قبل الانفصال. نعوِّل كثيراً على أمرين أولهما أن تمضي الحكومة في إنفاذ إستراتيجية جديدة تقوم على اقتلاع الحركة الشعبية من حكم الجنوب، فوالله إن ذلك لا يحتاج إلا إلى (دفرة) صغيرة تنكفئ جراءها الحركة وحكومة الجنوب التي تعاني من أنيميا حادة، على وجهها وتذهب إلى مزبلة التاريخ ويموت أذنابها من عملاء القطاع ومتمردي دارفور ويرتاح السودان ويبدأ مرحلة جديدة من مستقبل نرجو أن يكون زاهراً بإذن الله. الأمر الثاني الذي نعوِّل عليه ألاّ ترضخ الحكومة لأعدائها الأفارقة وتقبل التفاوض مع العملاء عرمان وعقار فإن ذلك سيكون بمثابة الخطيئة الثانية الكبرى بعد نيفاشا. ألا هل بلغت؟! اللهم فاشهد.