دلقت وثيقة الفجر الجديد التي وقَّعتها أحزاب المعارضة السودانيَّة في العاصمة الأوغندية كمبالا ديسمبر الماضي الكثير من حلقات الهجوم من قبل الحكومة وحزبها الحاكم في مقابل مرافعات «الفجر» المعارضة تارة وتنصلها من الاتفاق تارة أخرى إلى أن أعلن رئيس حزب الوسط الإسلامي يوسف الكودة انضمامه لتحالف الجبهة الثورية التي وقَّع معها على بيان يدعو للعمل السلمي لتغيير السلطة بحسب تصريحه المنشور في صحف السبت، وإن كانت اللافتة الخلفية لدى توقيعه حملت العنوان «مراسم توقيع حزب الوسط الإسلامي على ميثاق الفجر الجديد».. الجديد في قضية الفجر الجديد هو أن هيئة علماء السودان التي ينتسب إليها الكودة أصدرت فتوى منحت بموجبها صك الخروج من الملة والدين لكل من وقَّع على وثيقة كمبالا، ويشير الأمين العام للهيئة أن كل من زعم أنه لا يجب الحكم بما أنزل الله أو سعى لترويج مسألة فصل الدين عن الدنيا يكون قد وقع في المحظور باعتبار أن الاعتراف والتطبيق لحكم الله واجب على الجميع.. بالتنقيب عن حيثيات فتوى التكفير ذات الصلة بالسياسة والسياسيين نجد العديد من الحالات المشابهة، فقد سبق للرابطة الشرعية للعلماء أن أصدرت فتوى بردَّة الشيوعيين جاء فيها عبر البيان الذي أصدرته الرابطة أن الرابطة الشرعية لم تعجل ببادرة الفتوى في ردة الشيوعيين هؤلاء دون الوقوف بجلاء على حقيقة سوءتهم، ويأتي بيان الرابطة متسقاً في مضمونه مع فتاوى علماء الإسلام، الذين حذروا من الشيوعية وأفكارها الكفرية وسبق لذات الرابطة أن أصدرت فتوى بتحريم الانضمام للحركة الشعبية لتحرير السودان قبل انفصال الجنوب متهمة أنصار الحركة بأنهم إما لا دينيون أو علمانيون تقوم سياستهم على إقصاء الدين من مناحي الحياة وتعطيل أحكام الله، وأضافت الفتوى أن الانضمام لحزب الحركة كفر وردة كما أن التحالف معهم تحالف لمحاربة الله ورسوله والإفساد في الأرض، أما أشهر القادة السياسيين الذي طالتهم فتاوى التكفير فهو الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي حسن عبد الله الترابي وذلك على خلفية تشكيكه في عذاب القبر وعلامات الساعة المعروفة لدى السلف بخروج دابة الأرض والدجال والناسخ والمنسوخ من القرآن الكريم فضلاً عن انتقاده لعلماء السلف بقوله إن من بينهم الصالح والطالح، وقال عنهم إنهم حولوا الشورى من صيغتها الإلزامية إلى الصيغة المطلقة.. على إثر ذلك أهاب المجلس الأعلى للتصوف في البيان الذي أصدره بمجلس الفقه الإسلامي وهيئة علماء السودان أن يقوما بدورهما في استتابة الترابي، ووصف البيان أفكار ومعتقدات الترابي بالضالة.. من جهتها دمغت الرابطة الشرعية الترابي في بيان صادر عنها بالكفر والردة وطالبته بالتوبة عن أقواله والتبرؤ منها، وذهبت إلى أبعد من ذلك بدعوتها لولاة الأمر باستتابته فإن تاب كان بها وإلا نفذوا فيه حد الشرع حماية لجانب الدين وأن يُحجر على كتبه وأن تُمنع عنه المقابلات، ومن الذين طالتهم فتاوى كهذه أيضًا الصادق المهدي. الفتوى التي صدرت عن هيئة العلماء لم تُشر إلى تكفير الموقِّعين على ميثاق الفجر الجديد إنما ذهبت إلى أن من ينادي بفصل الدين عن الدولة خرج عن الملة، تلك هي فتوى أستاذ العلوم السياسة بالجامعات السودانية بروفسير علي حسن الساعوري، وبالرغم من إشارته إلى أن الفتوى جاءت في سياق الهجوم على موقِّعي الميثاق إلا أن الأحزاب تراجعت عن تبنيها للوثيقة وقالوا إن التوقيع كان بالحروف الأولى تمهيدًا لمناقشة الوثيقة قبل إبداء الرأي النهائي حولها، ونوَّه الساعوري بأن علماء الهيئة أقروا قاعدة فقهيَّة عامَّة، واسترسل ليضيف: كان على علماء الهيئة أن يقدموا مزيدًا من الإيضاح عن ماهية فصل الدين عن الدولة، فالدين ليس قصرًا على العقوبات سواء كانت حدية أو غيرها، وأوضح أن الحديث بأن الموقِّعين خرجوا عن الملة يأتي على مستوى الشعارات أكثر من الحقائق، وفي مقابل رؤية الساعوري دفع الإسلامي والكاتب الصحفي ذائع الصيت إسحق أحمد فضل الله العديد من الاستفهامات المفتوحة والتقريرية في آن واحد، فقد ذهب إلى التساؤل: هل أولئك العلماء جاءوا بتنزيل من عندهم أم قاموا بتفسير النصوص التي أمامهم؟ وقال في حديثه ل «الإنتباهة» إن الدين يحكم ولا يُحكم، فالدين هو الذي يقول إن فلانًا يكفر أو لا يكفر، ولفت إلى أن السياسيين باتوا يُرهبون العلماء، فعالم الدين بالنسبة لهم هو الذي لا يكفِّر أحدًا وهو الذي يجعلهم يجمعون بين الرقص وإقامة الصلاة ويبيح لهم الوضوء بخمر امرئ القيس والصلاة بأشعار أبي نواس أما العالم الذي يقول بأحكام الله عز وجل فهو عندهم لا علم له بالدين، فهم يريدون للقرآن الكريم أن يمشي وراءهم لا أن يتقدَّمهم ويمضي أمامهم، وختم أسئلته بالقول: هل هم يعرفون الدين أم يريدون تطويعه؟