أعداد غفيرة من الإعلاميين والأساتذة والكتَّاب والشعراء حضروا اللقاء التفاكري الذي عقده مجلس أمناء جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي.. برعاية شركة «زين» للاتصالات.. وتخلل اللقاء مداخلات وتساؤلات ومقترحات من الحضور، طالبت جميعها المزيد من السير في اتجاه تجويد الفعالية وزيادة إيقاع المشاركات.. كذلك أظهرت هذه الجائزة عبقرية السودانيين في الكتابة، بعد أن كان يقال عنا إننا نقرأ ولا نكتب.. ولا بد أن نعترف الآن أننا نكتب ونطبع ونقرأ، حتى ولو كانت مصر تكتب وبيروت تطبع.. صرنا كذلك، ولا بد من أن نشجع شبابنا وشيوخنا على الكتابة.. والأديب الطيب صالح الذي خرج إلى الدنيا من رحم تلك القرية الفقيرة عند منحنى النيل التي تحمل اسم كرمكول أو فقيرنكيتي أو دبة الفقرا، على الشاطيء الغربي للنيل، لم يكن ليُعرف لولا أنه كتب رواياته من البيئة البسيطة التي تخرج فيها، وسافر كما يسافر أبناء تلك المنطقة ولسان حالهم يقول: «ركبوا اللواري وقبلوا» أي ساروا في الاتجاه القبلي أي الجنوب، وعكسه بحري أي الشمال!! الأديب الطيب صالح بدأ حياته بالإذاعة السودانية.. ثم الإذاعة البريطانية، وقرأ وثقف نفسه وعبر عن تلك الثقافة من خلال رواياته موسم الهجرة إلى الشمال، ودومة ود حامد وتلك معالم بارزة في القرية أظنها لا تزال باقية، ولكنني لم أشاهدها وأنا أمر بشارع الأسفلت الذي شجعنا على إنفاذ حلم الطيب صالح بالهجرة إلى الشمال في موسم حصاد البلح.. ثم في مواسم الأعياد والمناسبات.. حتى صارت المسافة بين الخرطوم وقرى الشمال تبدو قريبة وسهلة ومشجعة، بعد أن كانت المعاناة مع الصحراء والسيول وطول الطريق الذي يمتد بمساحات السفر إلى ثلاثة أيام إذا لم تُصب العربة بسوء نتيجة وعورة الطريق. فلماذا لا تقام إحدى فعاليات الجائزة في كرمكول، وفي البيت الذي وُلد فيه هذا الكاتب العالمي.. صحيح أن المكان لن يكون مهيأ بالصورة التي تلبي حاجات الضيوف مثل «الحمامات» و«العناقريب» وغيرها، ولكن أن يقف الزوار على عبقرية المكان حتى ولو بعدة ساعات، ففي ذلك أيما تقدير لأديبنا المحلي الإقليمي والعالمي.. وأيما تقدير لأهل المنطقة وأشجارها وبساطتها وفقرها أن خرجت منهم هذه العبقرية الفذة.. ولو جاء الطيب صالح من أتون مدينة صاخبة وأحياء راقية ومجتمع غير مجتمع كرمكول، لما كان هو الطيب صالح الذي يجد كل هذه الحفاوة وهذا التقدير من العالم أجمع وليس من أهل السودان.. بل نحن كنا آخر من احتفى به وبمطبوعاته ورواياته العظيمة.. ثانياً، فإن الجائزة اسمها «جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي» وبالتالي، وطالما أن الأمر متعلق بالكتابة فلا ينبغي أن ينحصر التنافس على الرواية فقط، بل يجب أن تشمل جميع أنواع الكتابة من شعر ونثر وموضوعات أخرى.. المهم فيها الإبداع وبما أنه بدأ حياته بالعمل الإعلامي، فإن الواجب يفرض على مجلس أمناء الجائزة أن تقحم الإبداع الإعلامي كذلك في إطار الجائزة، وبشأن الآلية التي توفر المواد والموضوعات المتنافسة فإنه لا يكفي أن ننتظر الناس كي يتقدموا بأعمالهم، وإنما ينبغي أن تكون هناك آلية ترصد وتنقب في الإنتاج الثقافي والإعلامي وتدفع بها إلى التنافس.. فهناك إبداعات رحل كاتبوها عن الدنيا، وتستحق أعمالهم أن تخلَّد وتمكن من التنافس.. والله أعلم..