«أنا املك العلاج السريع لمشكلات السودان»... هكذا فاجأ ابن قرية الزورات بشمال دنقلا ناخبيه وهو يستعد للترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية في العام «2010»، ولم يكن هناك أحد من أبناء تلك القرية يتخيل أن يشتهر ابن المنطقة د. كامل ادريس بتلك السرعة، وأن يصبح شخصية عالمية، وينال أفضل المناصب في منظمات الأممالمتحدة، ويُعين أمينًا عامًا لمنظمة الملكية الفكرية «الويبو» في نوفمبر «1997»، وكان قبلها عضوًا بلجنة الأممالمتحدة من «1992» إلى «1996»، ومن «2000» إلى «2001»، فضلاً عن أنه يحمل 19 شهادة دكتوراه فخرية، وعلى الرغم من بروزه العالمي وعلاقاته الدولية المعلومة للجميع، إلا أن نجمه على الصعيد السياسي المحلي لم يبرز إلا في يوليو «1999»، كعراب للقاء شهير بين قطبي المعارضة والحكومة حينها الترابي والمهدي فيما يُعرف بلقاء جنيف، وسعى حينها لتقريب وجهات النظر بين الحكومة والمعارضة، لكن محاولات الدكتور باءت بالفشل ظاهريًا، ولم يكشف حتى الآن أسرار ذلك اللقاء وتداعياته، ويرفض جميع أطراف اللقاء الحديث عنه. وإن بان ذاك اللقاء كانه أشبه بالحفل التعريفي للدكتور في السياسة السودانية. ومنذ أن أصدر كتابه «السودان 2020 م تقويم المسار ورؤية المستقبل»، تنبأ كثيرون أن الدكتور كامل الطيب إدريس، يهيئ نفسه لمشروع قادم، بل ذهب البعض إلى القول، إن المشروع القادم، قد يكون منصباً رفيعًا في حكومة الخرطوم، وما زاد حديثهم قوة وقتئذٍ، تسويق الذات الذي نجح فيه الدكتور، من خلال خلق علاقات واسعة، مع قطاعات ورموز نافذة في المجتمع السوداني. حسنًا.. جميع ما سبق كان مدخلاً لمحاولة فهم البروز لسطح الأحداث السياسية مرة أخرى وذلك عند قيادته لمبادرة ثانية لتوحيد المعارضة مرة أخرى من خلال جمع الصهرين المهدي والترابي من خلال لقاء بمنزله بالخرطوم«جنيف كلاكيت مرة أخرى»، وبذهابه في الحديث عن اللقاء عن مقدرات يمتلكها ووصفه تمكنه من جمع الجميع بمن فيهم الرئيس بالمعارضة في لقاء جامع، ويؤكد كامل خلال حوار له بالزميلة «المجهر» أنه يمتلك علاقات مع جميع القوى السياسية، ويؤكد أن «شطرنج» السياسة ليس بجديد عليه، ويرجع بالذاكرة إلى لقاء جنيف «1999»، حيث يؤكد أن بذرة إطفاء حريق السياسة السودانية قد بدأت في تلك الأيام، ويعبر كامل عن تخوفه من أن تستخدم وتفهم وصفته أو مبادرته على أنها مؤامرة ضد النظام أو ضد المعارضة، ويصف مبادرته بأنها محاولة لصياغة مشروع وطني ينقذ البلاد من مسمى الفشل، ويصف كامل اللقاء الذي تم بين زعيمي المعارضة بأنه كان حاراً، ويشير إلى أن ما لفت نظره وأسعده طريقة تفكيرهما حيث كانت حسب تعبيره وفق رؤية قومية شاملة بعيدة عن إقصاء أية جهة أو طرف، والفكرة كانت تتلخص في ضرورة تحكيم العقول لإنقاذ الوطن، ويمضي كامل في حديثه عن اللقاء المفاجئ للجميع بأنه لاحظ أن الزعيمين كانا يتحدثان بلغة الكبار بعيداً عن الانهزامية، ويقول بقليل من الخبث وهذا رأيي الشخصي «كان إحساسي أنهما يريدان تجاوز طموحاتهما الشخصية والحزبية لمصلحة الوطن»، ويبين أن اللقاء أوصى بضرورة التركيز على رؤية قومية شاملة لإحداث مشروع وطني يعبر بالسودان إلى الأمام، وعند هذه النقطة يفجر دكتور كامل مفاجأة جديدة بحديثه عن أن الرئيس عمر البشير راغب في لقاء مشابه يجمعه مع كل القوى السياسية، ويقول بعبارات واضحة لا لبس فيها: «أعتقد أنه قادر وراغب في ذلك فيجب أن نشجعه»، ويضيف: «تربطني علاقة طيبة بالرئيس شخصياً»، وبذكائه الذي يميِّزه يحاول كسب ود القوى السياسية المعارضة، حتى لا يتم اتهامه بأنه يسعى لعزلها، مؤكدًا أنه علي اتصال دائم بالقوى السياسية كافة، ويرمي دكتور كامل ب«طعم» يقربه من الطرفين ويجعله أكثر حيادية، عندما يبث من خلال حواره مع «المجهر»، أنه يعتقد أن الأمم التي عبرت إلى مصاف الدول المتقدمة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وعسكرياً هي الأمم التي احتفظت بحكومة قوية ومعارضة قوية، ويقطع أن إضعاف أي طرف هو إضعاف للحالة العامة، ويضعف كذلك من معايير ومقاييس النجاح، ولمنح الحكومة إحساس الأمان يصف وثيقة الفجر الجديد التي وقّعتها المعارضة بكمبالا بأنها تمثل جزءًا من حل المشكلة السودانية، ويؤكد أن الحلول الجزئية لا تنفع في السودان، سواء كانت جبهة ثورية أو قوى تحالف أو حكومة، ويقول «نحتاج إلى حل شامل يُحدث مشروعاً وطنياً ينقذ هذه الأمة ويعبر بالسودان»، ويحاول أن يرسل رسائل للجميع بأنه يمتلك مفاتيح اللعبة الدولية المستعصية على جميع الأطراف، ويقطع بأنه يفهم لعبة السياسة الدولية بحكم إدارته لأكبر المنظمات الدولية في العالم، فضلاً عن رئاسته الحالية لمحكمة التحكيم والوساطة الدولية على مستوى العالم، ويكشف أنه قام من قبل بتوظيف علاقاته طيلة الثلاثة عقود الماضية التي اشتغل فيها بتلك المنظمات لمصلحة السودان، ويبدو واثقًا من نفسه عندما يقول إن الحكومة والمعارضة يعلمان ذلك جيداً. حسنًا.. ربما يكون دكتور كامل يمتلك مفاتيح اللعبة السياسة الدولية كما يقول، ولكن يبقى من الصعوبة أو إن شئنا الدقة من سابع المستحيلات أن ينجح في جمع الساسة السودانيين على قلب رجل واحد، فالكلمة التي أوردها في حواره سابق الذكر عن الطموحات الشخصية تمثل القاسم المشترك بين جميع النخب السياسية السودانية، وتصعِّب ما يقوم به، وربما يكون حديثه عن علاقاته بالجميع وعن الصدع بمقدراته العالية في الجمع بين الجميع تكون قد دقت مسمارًا في نعش مبادرته، فبحديثه أوضح أنه لا يعلم شيئًا عن سايكلوجية السياسي السوداني والذي تربى على رفض من يقول إنه أفهم منه وأعلم منه، وربما تكون محاولات كامل ضربًا من خيال، ولكن لا بأس أن نحلم معه ونتمنى أن ينجح فيما فشل فيه الآخرون، ونتذكر معه بعض أبيات شاعرنا الهرم الفيتوري في قصيدة «عريان يرقص في الشمس»: »بعض عمرك ما لم تعشه وما لم تمته وما لم تقله وما لا يقال وبعض حقائق عصرك أنك عصر من الكلمات وأنك مستغرق في الخيال!!