وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاهد على حكم ردة محمود محمد طه
نشر في الانتباهة يوم 14 - 02 - 2013

بما أنني كنت ممن سجل حضوراً في تلك الفترة حيث شهدت ملابسات الحكم على محمود محمد طه؛ وشهدت كل الأحكام الحدية؛ حد السرقة، والقطع من خلاف وحد الحرابة وحد الردة؛ فإنني أستأذن القراء الكرام في تسجيل شهادتي على تلك الفترة.
من أجل الحقيقة ودحض وتفنيد المزاعم التي رددها بعض خبراء القانون ممن توفاه المولى عز وجل حيث يدّعون أن مقتل محمود محمد طه صاحبه عجلة في التنفيذ وصاحبته أخطاء كثيرة حيث كان الغرض سياسيًا وأن الذين طبقوا الحدود في بدايتها طبقوها بحقد شديد وربنا سيسأل من ذلك يوم القيامة.
المشهد السياسي ومواقف زعمائه
حتى يعلم أولئك الذين يدعون أن حكم الإعدام الذي نفذ على محمود محمد طه حكم غير سياسي فلا بد لي أن أعيد إلى الأذهان المشهد السياسي العام الذي كان وقتئذ عند بدء تنفيذ الأحكام الإسلامية بالبلاد في أواخر عام 1983 وعام 1984 حتى ابريل من عام 1985..
لم تعرف الأوساط السياسية أن الحزب الجمهوري برئاسة محمود محمد طه حزباً ذا وزن في ميزان السياسة السودانية ولم يكن يمتلك من الإمكانات والمقدرات التي تؤهله التأثير على سلوك وحياة المجتمع وخارطة العمل السياسي حتى يجعل منه نداً لحكومة الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري رحمه الله وجعل الجنة مثواه لما قدم لهذا البلد.
بعد صدور القوانين الإسلامية سارع محمود محمد طه فى إصدار كتيب عادي فيه نظام الحكم وانتقد فيه الأوضاع حيث تمت مصادرته من قبل الأجهزة الأمنية فوراً وكان ذلك قبيل منشور الجمهوريين الذي صدر بموجبه حكم الإعدام عليه.
أما حزب جبهة الميثاق الإسلامي فقد كان حزباً له دوره ومكانته وسط الخريطة السياسية السودانية وكان زعيمه الدكتور حسن الترابي الذي يشغل منصب النائب العام من أوائل السياسيين الذين هاجموا القوانين الإسلامية في الشخوص الذين أعدوها وصاغوها وذكر أنهم «يفع وادعى أنهم كانوا طلبته بجامعة الخرطوم» حيث لم يكن لهم شرف تدريسه إياهم وقد عاصرت بعضهم بجامعة الخرطوم وقتها.
استشاط سيادة الرئيس الأسبق جعفر نميري رحمه الله غضباً من موقف دكتورالترابي حول القوانين الإسلامية وعزم على عزله من منصبه حتى لا يكون معوقاً في مسيرة التوجه الإسلامي؛ ومن ثم استشار اللجنة التي صاغت القوانين الإسلامية حول دكتور الترابي وتصريحاته حيث أشاروا إليه بعكس ما كان يتوقع السيد جعفر نميري وذلك بأن يتم ترفيع دكتور الترابي وإبعاده من منصب النائب العام ليدخل القصر الجمهوري مستشاراً للرئيس.
كانت في حسابات اللجنة الاستشارية والمكونة من الأساتذة النيل الشيخ أبوقرون وعوض الجيد محمد أحمد وبدرية سليمان أن ترفيع الترابي مستشاراً لرئيس الجمهورية سيجعل منه حرزاً ومدافعاً وحامياً للقوانين الإسلامية؛ ولقد صدق الله ظنهم فيما أشاروا فيه للسيد الرئيس؛ فقد شهدت دكتور الترابي بالقصر يدافع عن القوانين بفصاحة لسان ومحكم بيان وبلغة إنجليزية يعجز أهلها والناطقون بها عن مجاراتها؛ شهدته يطمئن السائلين من الوفود الأجنبية عن عقودات التمويل والقروض الخارجية الربوية بوفاء الدولة لها حين استحقاقها؛ لقد ساعد دكتور الترابي في تهدئة روع تلك الوفود الأجنبية التي كانت تتقاطر على القصر الجمهوري.
للتاريخ وحسب علمي بما شهدته فإن الدكتور الترابي كان مغيباً عن مشاركته في إصدار القوانين الإسلامية أو الصياغة أو المراجعة أو الاستشارة في قانون الإجراءات وقانون العقوبات وقانون الزكاة والضرائب التي أصدرت قبل دخوله القصر الجمهوري.
لنأتي لدور السيد الصادق المهدي الذي كان معتقلاً وقتها حيث أعد ما يسمى ببرنامج الصحوة الإسلامية، فقد قبل فيه الرئيس الأسبق النميري رحمة الله عليه شفاعة أحد مستشاريه أو هيئة مستشاريه القانونيين بالقصر بعد أن أوضحوا له وبينوا له أن القوانين الإسلامية التي صدرت كفيلة بتقديمه إلى المحاكمة ومعاقبته قانونياً. من ثم تم إطلاق سراحه وظل ساكناً يترقب.
أما الحزب الاتحادي الديمقراطي فلم نعرف له برنامجاً أو طرحاً إسلامياً يناهض النظام الحاكم وقتها كما لم يكن الحزب ذا ميول عدوانية لمقارعة سلطان الرئيس الأسبق جعفر نميري رحمه الله.
وإذا القينا نظرة إلى الإقليم الجنوبي فقادة حركة التمرد فيه رأوا أن إصدار القوانين الإسلامية تمثل نكوصاً عن اتفاقية أديس أبابا لعام 1972وهي بمثابة حرب عليهم؛ والحقيقة أن القوانين الإسلامية لم تكن سبباً رئيسياً في اندلاع التمرد بجنوب السودان مرة أخرى.
بعد إصدار القوانين الإسلامية كان لا بد من أن يدعم تلك القوانين أحد الأحزاب السودانية بدلاً من الإتحاد الإشتراكي؛ حزب الحكومة الذي كان رأساً بلا جسد. كعادته استشار الرئيس الأسبق جعفر نميري عليه الرحمة، هيئة مستشاريه بالقصر فأسقطوا حزب الأمة الذي كان يعتقد قادته أن الدين لا يبعث من جديد إلا من خلالهم؛ أما الحزب الإتحادي الديمقراطي فقد تحسس الاستشاريون فيه الهوان وضعف الهمة، وبما أن المرحلة التي تلت إصدار القوانين الإسلامية لهي هي مرحلة بناء وشدة وقوة وإقامة دين؛ فقد غلبوا اختيار جبهة الميثاق الإسلامي على الأحزاب الأخرى إذ أن إقامة الشريعة الإسلامية من خلال القوانين يتوافق تماماً مع طرحهم وبرنامجهم العام لإقامة الدين. نقول في وقتها نعم الرأي، فقد شهدنا قدرات الجبهة التنظيمية والإدارية ممثلاً في تنظيمهم للمسيرة المليونية الحاشدة وقدراتهم على تكوين هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نقول لمن أراد أن يزيف حقيقة الردة والكفر ويلبس الحكم الصادر بثوب السياسة المهترئ الذي لا يواري سوأته أين الحزب الجمهوري من ذلك العرض ومن ذلك المشهد؟؟ وأين محمود محمد طه من السياسة؟
ما تقدم كان ذلك هو المشهد السياسي باختصار، فلا أقل من أن نذكر أنه كانت هنالك معارضة واحتجاجات من بعض الوزراء فمنهم من كان يقول ابحثوا لكم عن دولة تعطيكم جازولين توقدون به المساجد؛ ومنهم من أرعبه أوامر مولانا دكتور المكاشفي طه الكباشي بإيقاف التعامل الربوي في المصارف؛ ومنهم من تشكك في تنفيذ قانون الزكاة والضرائب لعام 1983 وفيما سيكون القانون بديلاً للسياسات المالية التي عرفها العالم.
ما ذكرناه وأوضحناه من مشاهد سياسية ومن معارضة في تقديرنا كان لا يرقى إلى المخاصمة السياسية التي تودي بحياة المعارضين وتصفيتهم جسدياً ولو كان ذلك جائزاً لقبل الرئيس الأسبق نميري رحمة الله عليه تصفية جون قرنق بواسطة المخابرات السودانية وقتها حيث كان يؤكد الرئيس نميري أنه لا يريد أن يسن سنة الاغتيالات والتصفيات السياسية في السودان التي سوف لا تنطفئ نارها أبداً.
مشهد محكمة العدالة الناجزة
بعد أن تم فتح بلاغ في نيابة العدالة الناجزة بأم درمان ضد بعض الجمهوريين وهم عبد اللطيف عمر حسب الله ؛ تاج الدين عبد الرازق حسين، خالد بابكر حمزة ومحمد سالم بعشر، استأنفت محكمة العدالة الناجزة رقم «4» تحت سلطات القاضي حسن إبراهيم المهلاوي أعمالها بالنظر في موضوع القضية والتي لم يكن محمود محمد طه طرفاً فيها.
أثناء سير المحكمة حانت من القاضي المهلاوي التفاتة نحو شباك المحكمة فرأى محمود محمد طه جالساً في ميدان المحكمة يتحلق حوله ويحف به مجموعة من البنات الجمهوريات حيث كان هذا دأبه فقال في نفسه ما لهؤلاء الذين كانوا يوزعون المنشورات وقدموا للمحاكمة من سبيل؛ إنما السبيل على الذين يبغون في الأرض بغير الحق؛ محمود هو الذي أعد المنشور ومحمود هو الذي أوعز إلى هؤلاء المتهمين بتوزيعه؛ إذاً لماذا لا يقدم محمود إلى المحاكمة؟؟
لإيمانه بأن المتهم الأساس هو محمود محمد طه فقد شرع القاضي حسن إبراهيم المهلاوي في طلب تقديم محمود محمد طه للمحاكمة؛ وفعلاً تم التوجيه بإلقاء القبض على محمود لتقديمه للمحاكمة.
إنني على علم ويقين تام بأنه لم تكن هنالك دوافع ولا إملاءات ولا ضغوطات على قاضي محكمة الموضوع السيد المهلاوي من أي جهة تنفيذية عليا ولا حتى من رئيس الجمهورية الأسبق رضوان الله عليه من أجل القبض على محمود وتقديمه للمحاكمة.
مداولات محكمة الموضوع
تدافع الناس لحضور جلسات المحكمة حيث كان محمود محمد طه جالساً على طاولة منصة الاتهام حيث يفتتح القاضي المهلاوي الجلسة آمراً المتهم محمود محمد طه بالوقوف، فيرفض محمود الانصياع لأمر المحكمة ويقول بأنه لن يتعاون مع هذه المحكمة؛ فيقول له القاضي دعك جالساً ويستطرد القاضي أن المحكمة لم تطلب منك التعاون وإنما هنالك دعوى مرفوعة ضدك وتطلب المحكمة أن تدفع بنفسك تلك التهم الموجهة إليك.
ومن بعد تُليت الاتهامات على المتهم الرئيسي محمود محمد طه فأقر واعترف بأن قوانين سبتمبر لعام 1983 مخالفة للشريعة الإسلامية؛ ومخالفة للدستور وأنها أذلت الشعب السوداني وفرقت الأمة؛ وأنها أساءت إلى البلاد ؛ وأنها لا تصلح لإنسان القرن العشرين وطالب بإلغائها.
صدور الحكم على محمود
في اليوم التالي أصدر قاضي محكمة الموضوع الحكم ولم يكن فيه إشارة إلى حكم الردة مطلقاً وحسب علمنا القانوني المتواضع نعتقد أنه تم اتباع الإجراءات القانونية الصحيحة التي تم بموجبها رفع دعوى باتهامات محددة وفق مواد محددة.
عجز المدعي عليه دفع تلك التهم بل أقر واعترف بما نسب إليه والاعتراف سيد الأدلة ومن ثم صدر الحكم الذي لا لبس فيه ؛ فأي أخطاء قانونية ارتكبت في حق المتهم يا أهل القانون؟؟
من ثم أصدرت المحكمة رقم «4» حكمها على المتهمين بالإعدام شنقاً حتى الموت تحت المواد «96» و «105» عقوبات وتحت المادة «20 أ» من قانون أمن الدولة.
في لقاء لي مع السيد لقاضي المهلاوي وبعد صدور الحكم سألته عن شعوره إذ هو ذاهب يتلو الحكم وفيما أحس برهبة أو خوف فذكر لي أنه عندما دخل قاعة المحكمة أصابه شيء من الوجل والرهبة وسرعان ما خطر على قلبه الآية الكريمة: «ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء» «سورة إبراهيم» فصار يرددها حتى هدأ روعه ونزلت عليه سكينة من ربه فكان في ثبات الجبال الراسيات «وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب».
بعد صدور الحكم سرت بعض الإشاعات تشكك في إعدام الشيخ الكبير المسن كما سرت إشاعات بأن القاضي الذي أصدر الحكم صغير في السن، على الرغم من أنه من حملة درجة الماجستير ؛ وتخرج في كلية الشريعة والقانون ؛ واجتاز امتحان مهنة القانون من أول مرة؛ وفوق ذلك أنه يحمل القرآن الكريم بين جنبيه وهو ابن سبع سنين حيث كان يسمى بالطفل المعجزة وقدمه للإذاعة السودانية الإعلامي القامة محمد خوجلي صالحين رحمه الله في حلقة من الحلقات.
هذا يقودني لما ذهب إليه بعض كتاب أعمدة الصحف عن أهلية القاضي التي تسقط باختلافه مع المتهم، فلم يكن هنالك خلاف بين القاضي المهلاوي وبين المتهم وقد ذهبوا أيضاً إلى عدم محاكمة متهم إلا بمن هو في سنه مما يقود إلى البحث عن شيخ في سن محمود وفي درجته العلمية ليحاكمه وبالتالي أن لا يحاكم الشيوعي إلا شيوعي ولا يحاكم المرأة إلا امرأة مثلها وهلم جرا.
محكمة الاستئناف
أقرت محكمة الاستئناف برئاسة مولانا دكتور المكاشفي الكباشي حكم محكمة الموضوع ثم أضافت حكم الردة وأشارت في حيثياتها إلى الأحكام السابقة الصادرة في حق محمود محمد طه.
ساحة سجن كوبر
دعونا ننتقل إلى سجن كوبر بالخرطوم بحري حيث تدافع الناس في الصباح الباكر ليوم 18/2/1985 فجاءوا يهرعون زرافات ووحداناً ؛ امتلأت ساحة السجن التي تنقسم إلى قسمين أحدهما خصص إلى جمهور الشعب والآخر قسم صغير معد للقائمين بالسجن والمسؤولين من الحكومة.
المشهد عجيب وغريب حيث فاضت تلك الساحة وعجز الحضور عن الدخول حتى امتلأت الساحات الخارجية وانسدت الطرق المؤدية إلى سجن كوبر.
الناس في ترقب وفي تساؤل هل سيتم تنفيذ حكم الإعدام أم لا؟؟ وهل سيصعد جسد محمود إلى السماء «ورفعناه مكاناً علياً» أم لا؟ وماذا لو آمن هذا المرتد ونطق بشهادة لا إله إلا الله وأن سيدنا محمد رسول صلى الله عليه وسلم في آخر لحظة؟ وهل ستُقبل شهادته أم ترد عليه؟
داخل الساحة الصغيرة انتصبت منصة تنفيذ حكم الإعدام في شموخ وإباء مجاورة لمكاتب إدارة السجن ؛ منصوبة تجاه القبلة ويتم الوصول إليها من خلال درج حديدي يتكون من عدة درجات.
لقد تشرفت بحضور هذا المشهد الفريد وأنا أدلف من المنصة من مكان قريب لا تبعدني منه إلا عدة خطوات.
تنفيذ حكم الإعدام في محمود
من خلال باب صغير من الناحية الجنوبية الغربية يطل السجانون وهم يقودون أربعة من الجمهوريين يرزحون في سلاسلهم ثم يصفونهم إلى الحائط الغربي ووجوههم التي يسقط عليها شعاع الشمس منصوبة تجاه منصة تنفيذ حكم الإعدام.
وبعد هنيهة يخرج السجانون يقودون محمود محمد طه ووجهه مغطى بالبرقع الذي يميل لونه إلى البرتقالي دون الأحمر مكبلة أرجله بالقيود وأيديه مغلولة من الخلف.
بخطى متقاربة وبطيئة جيء بمحمود محمد طه يتهادى بين يدي سجانين؛ وما إن اعتلت رجليه الدرج الأول إلا وخارت قواه؛ وعندئذ تثقل قدماه وتعجز عن الارتقاء إلى الدرجات العلا، فحمله السجانان من عضديه اليمين والشمال حتى إذ اعتلى المنصة ارتفعت أصوات الحضور بالتكبير فأرعدت جنبات الساحة وماجت الوفود كأنها الحجيج ملبية في يوم عرفة.
«وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم»
ما إن هدأ دوي التكبير حتى صاح أحد الجمهوريين من الحضور بأعلى صوته «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم» فتم القبض عليه فوراً ونقل من الساحة الكبرى إلى الساحة الصغرى من فوق السياج.
حينئذ سرت إشاعة كما تسري النار في الهشيم تقول إن الذي سينفذ فيه حكم الإعدام ليس بمحمود محمد طه!!! وينبري لهذه الإشاعة مولانا السيد رئيس القضاء الأسبق فؤاد الأمين آمراً بإزاحة الغطاء «البرقع» عن وجه محمود محمد طه.
ما إن أُزيح البرقع عن وجهه نظر محمود إلى هؤلاء الجمهرة من الناس التي ملأت الساحة دوياً تكبر الله سبحانه وتعالى حتى بدرت منه ابتسامة أقرب منها إلى التكشيرة؛ وقد لاحظت أن الغبرة التي كانت تعلو وجهه أثناء حياته قد انزاحت مما يعني أن شيطانه قد ولى الدبر وعاد وجهاً عادياً.
أعيد البرقع بعد أن اطمأنت القلوب وسكنت إلى أن الذي أمامهم هو محمود محمد طه؛ ومن ثم كانت الإشاعات تتجدد فتسربت إشاعة أخرى تقول بأنه سيرفع إلى السماء !!! سبحانك ربي ما أعظم شأنك وأرفع مكانك يا متقدساً في جبروته. ترفع من؟ ترفع من أشرك بك ولم يسجد لك؟ ترفع من رفع عنه التكليف ويصلي صلاة الأصالة وليست صلاة «الحركات» كما شرعتها على نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
هل نطق محمود بالشهادة؟
في ذلك الموقف المهيب يرفع أحد السجانين من كبار السن طرف البرقع من ناحية أذن محمود اليسري ويهمس فيها؛ وبعد تنفيذ الحكم وفي حوار مع هذا السجان بإحدى الصحف ذكر أنه طلب من محمود محمد طه أن يشهد أن لا إله الله وأن سيدنا محمداً رسول الله فجزم السجان بأنه لم يسمعها منه وأردف يقول إنه قد سمع الشهادة من كل الذين تم فيهم تنفيذ حكم الإعدام في السابق إلا محمود إلا محمود إلا محمود.
استدبار محمود قبلة أهل التوحيد
والعياذ بالله «إن في ذلك لآية»
ما إن تلقى السجان الأمر بفتح مزلاج الشباك الخاص بالمشنقة لسقوط المحكوم عليه؛ وفي لمح من البصر هبط جسد محمود محمد طه إلى الأدنى مستديراً ومستدبراً قبلة أهل التوحيد والتمجيد والثناء الحسن؛ وأنني أشهد بأني أول من لاحظت هذه الظاهرة الفريدة والعجيبة وقمت بلفت نظر من كان قريباً من المنصة فارتفعت أصوات الموحدين بالتكبير والتهليل ومن ثم صعد الدكتور أحسبه دكتور كمال زكي لينقل للملأ شهادة وفاة المرتد محمود محمد طه الذي ظل وجهه متجهاً إلى الجنوب الغربي «إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين».
من خلال هذا المشهد الفريد، ينبغي لإدارة سجن كوبر تصويب قبلة المشنقة المتجهة إلى الشرق بتعديلها إلى الشمال الشرقي قليلاً فلا أفضل من ذلك ذكراً ولا أفضل من ذلك دقة حيث حدد وجهة المرتد الاتجاه المضاد للقبلة.
ظاهرة الاستدبار وعدم النطق بالشهادتين يؤكدها شيخ السجانين الذي قام بتلقين محمود الشهادة فذكر أنه لم يسمعها منه البتة ويضيف أن ظاهرة استدبار القبلة والتفاف الحبل إلى غير القبلة هي الأولى من نوعها التي شهدها في حياته.
نتساءل؛ هل هنالك خاتمة أسوأ من هذه؟؟ ويا من تقولون إن محمود قد اغتيل سياسياً وإن الله سيحاسب من اشترك في مقتله فهل هنالك أعظم من أن يريكم الله في حياتكم الدنيا هذه المعجزة الإلهية؟
أقول لهذا المرتد: يا من تكالبت عليه الخطايا والأوزار وأهلكته الذنوب والآثام، وغطته الغفلة مدى الليالي والأيام جعلك الله عبرة للأجيال «إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد»
هذا المرتد الذي اعتمد على عقله وفساد علمه، إنما هو عبد طوقته الذنوب فذل واعتمد على فكره فضل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ وصدق الله سبحانه حين يقول «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً ؛ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً، ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً»
وبما أنني شهدت ذلك العصر الذهبي من تطبيق القوانين الإسلامية فقد شهدت أيضاً إعدام الواثق صباح الخير رحمه الله وهو من أبناء الصبابي بالخرطوم بحري المشهود له بحب المساكين وتربية اليتيم؛ فمات مشنوقاً مستقبل القبلة وكنت في نفس المكان الذي فاضت فيه روح محمود.
نقل جثمان محمود
ما إن أفاد الدكتور بموت محمود إلا وفي سرعة البرق أدخل بالباب الذي أخرج منه؛ وما هي إلا دقائق معدودات إلا وقد دوّى صوت المروحية مرتفعة إلى عنان السماء حاملة جثمانه إلى مكان مجهول.
ارتفعت أصوات الموحدين بالتكبير وانفض سامر المواطنين زرافات ووحدانا وهم على يقين بأن محمود محمد طه لم يرفع إلى السماء بل هو ميت على مروحية ؛ كما ثبت لديهم بطلان الفكر والدعوة المحمودية.
في حوار مع أحد القانونيين الأمريكيين السود كان بجامعة الخرطوم ذكر أن محمود لا يموت فقلت له افترض أنه مات موتتنا التي نعرفها ودفن تحت الثرى فماذا ترى؟ فقال سيكون هنالك خطأ في الدعوة المحمودية.
ويحضرني أن دكتور عبد الله النعيم الأستاذ القانوني بجامعة الخرطوم والجمهوري السابق أخذ الإذن بالطواف على السجون مؤكداً مقتل محمود للجمهوريين المسجونين ليتم إطلاق سراحهم كما أنه لم يقل بإعدام محمود سياسياً.
بعد تلك المشاهد أوصي أولئك الذين يدعون أن محمود قد اغتيل سياسياً بتقوى الله فإنه خير ما وصى به المسلم المسلم أنه يحضه على الآخرة وأن يأمر بتقوى الله ؛ ولا أفضل من ذلك ذكراً ولا أفضل من ذلك نصيحة.
وأسأل أولئك المدافعين عن محمود محمد طه كم من الفتيات اللاتي انتهكن أعراضهن بجنيه سوداني واحد «بقاعدة الخابور والصامولة» مع ترديد خطبة النكاح التي يقول العريس فيها «أنا انبثاق نفسك عنك خارجها والله شهيد بيننا» وتقول العروس مثل ذلك؛ وهنا يلزمك أن تضع ألف خط أحمر تحت اسم الجلالة حيث إن اسم الجلالة عندهم يعني «ذلك المرتد» والعياذ بالله.
وبعد هذا فأي فكر محمودي يمجد وأي تصفية سياسية تشيرون إليها وأي زنديق تتباكون عليه وقد علمتم خاتمة محمود محمد طه وكيف لقي الله ووجهه مستدبراً القبلة؛ أما سمعتم قول الله تعالى «أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا * أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون * إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا»
فيا من تتباكون عن محمود اسمعوا قول المولى سبحانه وتعالى «ها أنتم جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم يكون عليهم وكيلا»
صحيح قولكم «أن ربنا يسأل من ذلك يوم القيامة» فهل ترون أن الله سبحانه وتعالى مجز من أعدم محمود خير الجزاء وبأحسن ما عملوا أم ماذا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.