تتعرض مدينة القدس والتي سماها العرب عاصمة للثقافة العربية لعام 2009م، إلى حملة تهويد إسرائيلية منظمة وواسعة، وذلك لتغيير هويتها الثقافية العربية ووجهها الحضاري والتاريخي والتراثي، من خلال جملة من القوانين والإجراءات التي من شأنها تهميش الوجود الفلسطيني العربي والإسلامي وفرض الأمر الواقع الإسرائيلي على هذه المدينة، وقد تعددت أوجه وإجراءات عملية التغيير، واستخدمت سلطات الاحتلال أكثر من أسلوب وأداة لتغيير التركيبة السكانية للمدينة وصبغها بالطابع اليهودي، فقد قامت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بمصادرة آلاف الدونمات المحيطة بمدينة القدس وبنت عليها عدداًمن المستوطنات، كما بنت مئات من الوحدات الاستيطانية داخل المدينة، وسحبت عدداً كبيراً من هويات المواطنين من سكانها، وذلك من خلال فرض إجراءات وقوانين تعسفية للتضيق على حياة الفلسطينيين لإجبارهم على العيش خارجها، كما قامت ببناء الجدارالسيئ العنصري حولها، وإقامة نقاط التفتيش العسكرية لعزل أحياء ومناطق عديدة عن المدينة، كما قامت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بالاعتداء على التراث الثقافي الإسلامي العربي من خلال جملة من الإجراءات التي استهدفت الحرم القدسي الشريف، وذلك عبر الحفريات الحثيثة التي تقوم بها بين الحين والآخر بحجة البحث والتنقيب عن الهيكل أو الحفاظ على التراث الثقافي، واستخدمت أساليب أخرى تهدف في مجملها للسيطرة على موقع القدس. حيث تجلى هذا الهدف بوضوح لدى قيام إسرائيل بمحاولة فاشلة لتسجيل موقع القدس باعتباره موقعاً لها على لائحتها التمهيدية لتسجيلها على لائحة التراث العالمي لدى منظمة اليونسكو، على الرغم من أن اليونسكو قامت بتسجيلها على لائحة التراث العالمي باعتبارها موقعاً عربياً عام 1981م، وعلى لائحة التراث العالمي المهدد من قبل إسرائيل بالخطر عام 1982م، في الوقت الذي تنفذ فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي خطوات جادة وفعلية وملموسة على الأرض لخلق واقع سياسي وثقافي يجرد المدينة المقدسة من هويتها الثقافية العربية ويضمن للاحتلال الإسرائيلي الإبقاء على المدينة تحت سيطرته وعاصمة موحدة لإسرائيل، كما يرى الجميع أن التحرك العربي والدعم المادي والسياسي المخصص لمواجهة خطط الاحتلال الإسرائيلي والحفاظ على عروبة القدس وهويتها الثقافية العربية لا يرقى إلى مستوى تلك التحديات التي تواجهها المدينة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ولا يتناسب بأي شكل من الأشكال مع حجم الإمكانيات والموازنات والإجراءات والتدابير التي تسخرها إسرائيل سعياً منها لطمس معالم المدينة الحضارية والتاريخية والتراثية، على الرغم من الإمكانيات المادية والسياسية وأدوات الضغط الأخرى التي تتمتع بها الدول العربية، والتي يمكن استخدامها لدعم المدينة وسكانها. وفي نفس الوقت لم يتم إدراج مدينة القدس ضمن البرنامج الثقافي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أليسكو للاحتفاء بالعواصم العربية كلها بوصفها عواصم للثقافة العربية منذ عام 1995م وحتى 2014م، والذي يهدف إلى دفع الحركة الثقافية العربية نحو الأفضل ودعم التعاون الثقافي بين الأقطار العربية والتعرف على كل الجوانب المضيئة في ثقافتنا وتراثنا الحضاري العربي العريق، وقد جاء الاقتراح الفلسطيني خلال مؤتمر وزراء الثقافة العرب الذي عقد في نوفمبر من عام 2006م لإدراج مدينة القدس ضمن قائمة العواصم العربية المحتفى بها عام 2009م، بدلاً من بغداد التي اعتذرت عن القيام بهذا النشاط، وذلك تحدياً لإجراءات الاحتلال الإسرائيلي، وتأكيداًبأن القدس عاصمة لدولة فلسطين المستقلة، وهي جزء لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة في عام 1967م. والسؤال هنا أين العالمان الإسلامي والعربي من هذا المخطط الصهيوني الصليبي الماسوني.