الغربة تلك الحلم الذي ترسم عليه الآمال العريضة فيبدأ الرجل يترك كل أمنياته على الغربة لكي تحققها له ويكون أكبر حلمهُ أن يسعد خطيبته أو زوجته التي تركها في أرض الوطن وهجرها من أجل أن يحقق حلمهُ في إسعادها.. لكن يحدث ما لا يحمد عقباه بعدم توفق الرجل في إيجاد عمل أو أن تكون ظروفه لاتسمح له بالاتصال نسبة للضغوط الوظيفية التي يعمل بها وأحيانًا تفشل كل خططه فيتوارى خجلاً ويستتر خلف الانقطاع وهنا تطالب الزوجة بالطلاق من المحاكم بسبب هجران الزوج لها وتتخلى الخطيبة عنه.. كما يستمر اختفاء وانقطاع الرجل لعدة سنوات وعندما يعود إلى أرض وطنه وإلى دياره يجد خطيبته التي تركها خلفه وسافر قد تزوجت وأصبح لديها عدد من الأبناء والبنات أو صارت جِدة.. غاصت (نافذة مهاجر) في عمق هذه القضية عبر العديد من النماذج الحية ومآلاتها الآن وخرجت بالتالي: الغربة من أجل السعادة يقول أحمد: إنه يعرف أحد أصدقائه كان حلمهُ أن يغترب من أجل أن يأتي لخطيبته بكل ما تحب لإرضائها وأيضًا بأن يكون عرسه كالآحلام وفعلاً استطاع أن يحصل على فيزا وسافر لكن كانت الظروف أقوى وأكبر من أحلامه فكانت قاسية عليه جدًا فظل صديقي سنين من غير عمل فقطع أخباره عن خطيبته وأسرته بحجة ماذا سيقول لهم وهو لم يجد عملاً؟ ورغم أن هجرانه لمحبوبته كان صعبًا عليه إلا أن الظروف حتمت عليه ذلك، فلم تستطع الخطيبة الصبر على بُعد خطيبها وهجرانه فتركته لمحاصرة زنزانة العمر لها وكيف لها أن تصبر على شيء لا تعرف آخره!! عدم المسؤولية واللا مبالة وحكت لنا فاطمة تجربتها بقولها: كان لها زميل في الجامعة وقبل أن يقرر السفر تقدم لخطبتها وكنا سعيدين جدًا وكان التواصل مستمرًا في الشهور الأولى بعد أن توفق في إيجاد العمل بسهولة، ولكن بعد فترة من الزمن انقطعت أخباره لسنين وأصبحت لا أعرف عنه شيء وبدأت اسأل عنه أهله وأصحابه فتأكدت أنه قطع أخباره من الجميع، وأضافت بدأت الشكوك تقتلني ماذا حدث له؟ أهو بخير أم لا، وكل هذه السنين وأنا مازلت انتظرهُ ولم أفكر في التخلي عنه وبعد سنين رجع وتواصل معي وبعد ذلك انقطعت أخباره عني مرة أخرى ولكن هذه المرة استطعت أن أتواصل معه فكان رده أنه لن يستطيع أن يأتي إلى السودان قبل (2020م) وكانت هذه الصدمة فأحسست بعدم المسؤولية ولا مبالاته ولم يكن أمامي إلا أن اتخلى عنه.. لعبة الاغتراب وأضاف عوض قائلاً: إن مثل هذه القصص كثيرة في مجتمعاتنا ولكن دائمًا ما تكون الظروف هي التي تحكمنا، فالمغترب يذهب ولا يعرف ماذا سيحصل له كما أن هنالك أشخاص قد يكون السبب في هجرانهم لأزواجهم وخطيباتهم عدم المقدرة على تحمل المسؤولية، وأشار إلى أن هنالك أنواعًا فمنهم من يغترب ولكن لايتوفق في إيجاد عمل ويبقى ينتظر أن يكون العام القادم أفضل من السابق وأن يتوفق لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفنُ ويمضي عام تلو الآخر ويكون الخجل من هذا الموقف مسيطر عليه فيتوارى خلف الصمت والانقطاع عن الأهل والزوجة أو الخطيبة.. وأضاف أن هنالك نوعًا آخر ينبهر بالبلاد التي هاجر إليها بمظهرها وطريقة عيش أهلها وينجرف داخل إيقاعها وتؤثر عليه فتتغير أفكاره وينعدم لديه الإحساس بالمسؤولية عن من ينتظروه ولا يبالي بما يحدث لهم ويقطع أخباره عنهم.. وأضاف أن هنالك بلادًا لا تسمح له باستضافة الزوجة والأبناء معه وتكون ظروف عمله ضاغطة عليه وينقطع عن الأسرة كما لا تتقبل الزوجة هذا الوضع فتطلب الطلاق بسبب عدم الجدية وقلة اهتمامه بها وهجرانه لها، كما أن المحاكم تعج بمثل هذه الحالات (الطلاق) وكل هذا يكون تحت وطئة لعبة الاغتراب التي يدفع الرجل ثمنها غالياً. الدور الفني وقد وجدت هذه القضية مساحة واسعة داخل الأغاني السودانية ولم تغفل عن هذا الشيء فقد تناولت الهجرة المغترب لخطيبته أو زوجته نذكر منها أغنية للفنان بلال موسى (تعال شوف الكنت راجيهو).. كما تغنى أيضًا الفنان عبد القيوم الشريف بأغنية (اريتو كان زادي) وأيضًا تغنى الجابري بأغنيته (مافي حتى رسالة واحدة بيها اتصبر شوية). الخبير الاجتماعي وكان لعلم الاجتماع رأي في هذه القضية على لسان الخبير الاجتماعي أحمد عبد الحميد بقوله إن الأزمة الاقتصادية العالمية والبحث عن تحسين ظروف العيش والطموح الكبير وروح المغامرة لدى الشباب تدفعهم للهجرة إلى دول الخليج أو إلى أوربا وتكون انعكاساتها الإيجابية في تحسين الظروف واكتساب المهارات العملية والتعرف على الآخر ثم التجربة الذاتية لأن هنالك إشكاليات اجتماعية ونمطية وسلوكية، وأضاف أن من سلبيات الاغتراب في الآونة الأخيرة تدني الأجور وسعودة الوظائف التي أدت إلى ضيق في العيش بالنسبة للمغتربين نسبة لارتفاع معدل التضخم والأزمة الاقتصادية، وأيضًا هنالك خريجون من المغتربين يعملوا في الوظائف الدنيا أو من غير مؤهلات أكاديمية وكل هذه الظروف جعلت المغترب لا يفي باحتياجاته المالية والمعيشية ومن هنا تطول سنوات غربته وتفشل آماله التي وضعها للعودة للسودان. إسقاطات اجتماعية وأشار الأستاذ أحمد عبد الحميد أن ذلك خلق واقعًا مريرًا انعكس على الوضع الاجتماعي في السودان، ونلحظ من ذلك ارتفاع معدلات الطلاق غير المسبوق في تاريخنا ويشكل فيه الطلاق الغيبة والخوف من الفتنة أكثر من (85%) منه المعروض على المحاكم الشرعية ومحاكم الأحوال الشخصية وشؤون الأسرة وأضاف أن كل هذه الأسباب ترجع إلى غياب الأزواج عن زوجاتهم وأصحاب الوعود عن خطيباتهم.