ما زالت هجرة الكوادر المؤهلة عامة والكوادر التعليمية خاصة تشغل بال الكثيرين خاصة أنها تشكل خطراً على مسيرة التعليم العالي، فالعديد من أقسام الكليات الجامعية السودانية العريقة يديرها مساعدون تدريس، وقالت لي إحدى الطالبات في المجال العلمي إن كليتهم بها نقص كبير وفي بعض الأحيان تستعين الكلية بالخريجين الذين يقضون الخدمة الوطنية بالتدريس.. ونلحظ أن هجرة أساتذة الجامعات تشهد تصاعدًا مستمرًا، وحسب تقرير صادر عن وزارة العمل السودانية أوضح فيه تزايد معدلات الهجرة حيث بلغت جملة المهاجرين من الأساتذة الجامعيين (1002) أستاذًا مقارنة ب (21) أستاذًا خلال العام (2008م)، وبلغت ذروتها في العام (2012م) حيث بلغ عدد المهاجرين لأغراض العمل (94230) مهاجرًا بنسبة زيادة قدرها (89%)، وهذه الأرقام المخيفة تهدد قطاع التعليم بصورة مباشرة حيث أصبحت الهجرة تمثل هاجسًا يؤرق مضاجع الدولة بهياكلها المختلفة مما تتطلب إعادة النظر في الهجرة بأبعادها المختلفة بكافة جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية منها، وفي هذا الاتجاه نظم مركز الدراسات السودانية والدولية بجامعة الزعيم الأزهري منتدى تناول فيه هجرة الكفاءات العلمية «أساتذة الجامعات» وقُدمت من خلاله العديد من الأوراق من ضمنها ورقة أثر هجرة الكفاءات السودانية التي أعدها د. خالد علي وتناولت الأسباب التي أدت إلى هجرة الأستاذ الجامعي وحصرها في اختلال سوق العمل في التعليم العالي وعدم انسجامه مع متطلبات الحياة المادية لهؤلاء الأساتذة، بجانب وجود أسواق عمل خارجية جاذبة لكفاءاتهم وتوفر لهم الشروط المجزية للبيئة التعليمية والعروض المغرية التي تقدمها الدول لكل مبدع ومتميز، وأضاف من أسباب الهجرة أيضاً انعدام التخطيط في مجال التعليم العالي والفشل في إيجاد شروط وظيفية مجزية تمكن هذه العقول من الاستقرار والإبداع للبحث العلمي وانخفاض المستوى المعيشي بجانب وجود القوانين والتشريعات التي تربك أصحاب الخبرات من الأساتذة الذين نالوا شهادات عليا من الخارج، وطموح بعضهم العلمي الشخصي لإشباع روح البحث والتطوير لفقدانهم ذلك في بلدهم.. وقال د. خالد إن من الأسباب الرئيسة للهجرة الإحباط الذي يصيب المتميزين والأكفاء في الجامعات يعود لحالة الركود في تطوير القوى العاملة بالدولة، مشيراً إلى أن هجرة الكفاءات تعد من أخطر المشكلات التي تواجه برامج التنمية بانتقال أهم رأسمال اقتصادي بشري مثقف للخارج، وأضاف أن سلبيات هجرة الأساتذة تتمثل في ضياع الجهود والطاقات الإنتاجية والعلمية لهذه العقول التي تصب في شرايين دول المهجر في الوقت الذي السودان فيه بحاجة لهذه التنمية في المجالات المختلفة سواء كانت اقتصادية أو تعليمية أو صحية أو غيرها، فضلاً عن تبديد الموارد الإنسانية والمالية التي أنفقت في تعليم وتدريب الكفاءات التي حصلت عليها دول المهجر، مما أضعف الإنتاج والبحث العلمي وفقدان قوى عاملة مدربة وخبرات متراكمة، وشدد د. خالد على أهمية تحسين أوضاع الكفاءات وإجراء تحسينات مستمرة في الأجور، وزيادة المرتبات لمواجهة الزيادة في مستوى المعيشة والتضخم وتهيئة المجال لتوظيف التخصصات المختلفة للحد من هجرة العقول والعمل على وضع خطة إستراتيجية شاملة للعمل على تنشيط وسائل التشغيل في البلاد مع التركيز على تبادل الخبرات والتجارب في مجال التنمية وتهيئة المجال لتوظيف التخصصات المختلفة وتشجيع عودة العقول المهاجرة للاستفادة من خبراتها العلمية والمهنية وتحويل الهجرة إلى نبع مستدام يخدم المجتمع في الصحة والتعليم بعد إيجاد الحلول المناسبة للحد من مشكلاتها بسوق العمل.