حتى لحظة كتابة هذه السطور، لا يُعرف السبب الحقيقي وراء إلغاء أو تأجيل زيارة السيد رئيس الجمهورية لولاية شمال دارفور، المقرَّرة يومي السادس والسابع من هذا الشهر، وتأجَّلت قبل ثمانٍ وأربعين ساعة من ميقات بدئها، وكان السيد الرئيس سيزور عددًا من المحليات بالولاية من أقصى شرقها وشمالها لأقصى جنوبها وغربها.. حيث يكون في محليَّة الطينة على الحدود مع تشاد... ويبدو من تعليق والي شمال دارفور، أنَّه فوجئ مثل غيره بتأجيل الزيارة، وقال إن جماهير ولايته كانت على أهبة الاستعداد في انتظار المشير البشير لتجدِّد عهدها معه، مُعرباً عن تقدير حكومة الولاية لقرار التأجيل.. هذه بالطبع من المرات القلائل التي يتم فيها تأجيل زيارة الرئيس لإحدى ولايات البلاد، لكنها بكل تأكيد لا تعطي المواطن وعامَّة الناس شعوراً بالتفهُّم والارتياح، خاصَّة أن أسباب التأجيل أو الإلغاء لم يُفصَح عنها ويُكشَف عن تفاصيلها... وكان على رئاسة الجمهوريَّة إبداء توضيحات أكثر والتعامل بشفافيَّة كاملة، حتى لا يخلو الجو للشائعات لتبيض وتُفرخ، ويحدث التشويش وتكثُر التأويلات والتفسيرات التي قد لا تتَّفق مع الواقع والسبب الحقيقي الذي أدَّى لما حدث.. لقد كانت الزيارة مهمَّة للغاية في هذا التوقيت لولاية شمال دارفور وكل مناطق دارفور، ستكذب كثيرًا من الأقاويل حول الوضع الأمني المتدهور وتقرير ما يسمَّى بالخبراء المستقلِّين الدوليين الذي اعتمد عليه «98» من نواب الكونغرس الأمريكي والبرلمانين البريطاني والأسترالي في رسالتهم لوزراء خارجية البلدان الثلاثة لبدء عمل ضد السودان من داخل الأمم المتَّحدة ومجلس الأمن الدولي.. ستُلقم زيارة الرئيس هذه المؤامرة الجديدة حجراً، لو تمَّت في مواقيتها المحدَّدة بنجاح، وشاهدنا الرئيس يتنقَّل من الفاشر للطويشة ومنها لسرف عمرة والسريف بني حسين وكبكابيَّة وكتم والطينة ويحلِّق فوق أمبرو وكرنوي وجبل سي والكومة وطويلة وتارني وشنقل طوباي وكلمندو وغيرها من مناطق الولاية الموسومة بفقدان الأمن والطمأنينة، وهل غير زيارة الرئيس كانت ستُعطي الناسَ الانطباع الإيجابي بهدوء الأوضاع في الولاية ومن ورائها عموم دارفور؟ في ظل الظروف الراهنة وبكل ضغوطها وظلالها وشواغلها، لا بد من الاعتراف علناً بأن إلغاء الزيارة هكذا دون أسباب مُعلَنة وواضحة وتوفير تبرير سريع ومقنع، فيه مَلمَح لخلل كبير في التنسيق بين أجهزة الدولة الولائيَّة والاتحاديَّة... فحكومة شمال دارفور أكلمت كل ترتيباتها لاستقبال الرئيس وتمَّت دعوة عدد كبير من الضيوف بعضهم سافر وآخرون تأهبوا للسفر وتم تأجير الطائرات على عادة ولاية شمال دارفور في حشْد أبنائها ورموزها، ودعت منظَّمةُ الشهيد التي كانت ستحتفل بعيد الشهيد القومي في الفاشر عددًا مقدَّراً من الشخصيَّات لحضور هذه المناسبة التي يشرِّفها الرئيس، وتمَّت كل الترتيبات والتجهيزات لإتمام وإنجاح الزيارة، ونشرت الولاية إعلاناتها في أجهزة الإعلام والصحف المختلفة، وتحضَّرت مدينة الفاشر وبعضُ حواضر المحليات التي سيزورها الرئيس واتَّخذت زينتَها رغم جراح أحداث السريف وجبل عامر، لكن قرار الرئاسة بتأجيل الزيارة فاجأ الجميع حتى الوزراء الاتحاديين الذين كانوا سيرافقون الرئيس في زيارته للولاية، ولا أحد بالخرطوم أو الفاشر يُمكنه إعطاء أو الحصول على الإجابة الكاملة والشافية! هل التأجيل لشواغل أهمّ ألمَّت ببرنامج الرئيس؟ أم لأسباب أمنيَّة تتعلَّق بالولاية؟!! إذا كانت مؤسَّسة الرئاسة قد أجَّلت الزيارة من غير أسباب مُعلَنة، فعلى حكومة الوالي كِبِر إعطاء الرأي العام مبرِّرات موضوعيَّة ومُقنعة، حتى لا يكون الرأي العام نهباً للقيل والقال وكثرة السؤال بعد إضاعة المال!!